جاء في “الاخبار”:
أطلقت أمس، المديرية العامة للنفط – وزارة الطاقة والمياه، ثلاث مناقصات لشراء فيول أويل (A) و(B)، وغاز أويل، لزوم تشغيل معامل الإنتاج في مؤسّسة كهرباء لبنان. وبحسب البيان الصادر عن الوزارة، فإن إطلاق المناقصة يأتي بعد مشاورات أجراها وزير الطاقة وليد فياض مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي أفضت إلى تأمين التمويل. كذلك، قال البيان إن الكميات التي سيتم التعاقد على توريدها تكفي لرفع معدل التغذية بالتيار الكهربائي إلى ما بين 8 ساعات و10 ساعات، علماً بأن فضّ العروض سيتم في تشرين الثاني وتسليم الكميات ما بين 1 كانون الأول 2022 و10 منه.
البيان فيه الكثير من الحذر تجاه مسألة التمويل، إذ ربط الأمر بوجود مشاورات بين أربعة أطراف أفضت إلى هذه النتيجة، علماً بأنها لم تكن مشاورات رباعية، بل كانت ثنائية يقودها الرئيس ميقاتي مع وزير الطاقة من جهة، ومن كل من وزير المال وحاكم مصرف لبنان من جهة ثانية. وميقاتي أبلغ فياض أن التمويل بات مؤمّناً من دون أن يوضح الكثير من التفاصيل، وأصرّ عليه الاسراع في إطلاق المناقصات لشراء الفيول والمازوت اللازمين لزيادة إنتاج معامل الكهرباء رغم أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يمنح فياض الموافقة على فتح اعتمادات لتغطية 6 أشهر من عمليات التوريد، إذ أن الأمر يتطلب نحو 600 مليون دولار. رغم ذلك، فإن ميقاتي مستعجل، ولا سيما أن انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون يتيح له فرصة الادعاء بأن الأمر يعدّ إنجازاً له.
لكن السؤال عن مدى جديّة تأمين التمويل أمر ضروري. وبحسب تصريح فياض لـ«الاخبار»، فإن مسألة التمويل مرتبطة بثلاثة خيارات:
– الخيار الأول هو أن يفتح مصرف لبنان الاعتمادات لتغطية استيراد البواخر بشكل كامل، أي أنه سيسدّد من سيولته بالعملة الأجنبية قيمة هذه الاعتمادات عند استحقاقها مقابل أن تدفع الحكومة اللبنانية بالليرة اللبنانية على سعر صيرفة. وبهذه الطريقة يكون مصرف لبنان عبارة عن وسيط يقوم بعملية تحويل للأموال وضمانة الحكومة لدى المورّد الخارجي.
– الخيار الثاني هو أن المصارف الأجنبية التي كان لبنان يعمل معها سابقاً تفتح الاعتمادات كما كانت تفعل سابقاً، وهي على ثقة بأن الحكومة اللبنانية ستسدّد قيمة الاعتمادات عند استحقاقها مع فوائد كانت تصل إلى 2%.
– الخيار الثالث هو أن يكون ضمن عروض الشركات المشاركة في المناقصة تسهيلات ائتمانية مقابل ضمانات بأن الأموال ستسدد عند الاستحقاق.
بعد حسم مسألة التمويل، فإن هناك مسألة ثانية، إذ يفترض أن تصل بواخر الفيول والمازوت اللازم لتشغيل المعامل قبل فترة وجيزة من بدء العمل بتعرفة الكهرباء الجديدة التي ستبلغ 10 سنت على استهلاك أول 100 كيلواط، و27 سنتاً على كل ما يفوق ذلك، على أن تكون التعرفة مرنة وقابلة للتعديل ارتفاعاً أو نزولاً مع تقلبات أسعار المشتقات النفطية. زيادة ساعات التغذية سيكون مقدمة لجباية على أساس التعرفة الجديدة. ففي الفترة الماضية لم يكن لبنان ينتج أكثر من 200 ميغاوات يومياً توزّع على المناطق بمعدل ساعة ونصف يومياً بينما الأسر والمؤسسات تتكل على المولّدات الخاصة بتعرفة تصل إلى 45 سنتاً. بكل المقاييس التعرفة الجديدة ستكون أرخص بنحو 40% كحد أدنى. وإذا تأمنت الكهرباء لنحو 10 ساعات، سينخفض وزن المولدات في مجمل عدد ساعات التغذية الموزّعة على المسكان والمؤسسات.
باختصار، إذا تأمّن التمويل، وتزامن زيادة عدد ساعات التغذية مع تطبيق التعرفة، ستكون خطّة الطوارئ التي أعدّها وزير الطاقة وليد فياض قد طبقّت بالكامل، إنما المشكلة أنها خطّة ظرفية لا تأخذ في الاعتبار إلا تأمين الكهرباء لبضعة أشهر. فالمشكلة الأساسية ستبقى في تأمين التمويل بالعملة الأجنبية لشراء الفيول أويل اللازم لتشغيل المعامل. تأمين 100 مليون دولار شهرياً، يعني أن هناك حاجة لمبلغ 1.2 مليار دولار سنوياً وهو مبلغ ضخم قياساً على ما تبقى من سيولة بالعملة الأجنبية لدى مصرف لبنان. ورغم أن هذا المبلغ قد يوفّر استيراد مازوت كان سيأتي لتشغيل مولدات الأحياء، بقيمة قد تفوق المليار دولار، وفق بعض التقديرات، إلا أن مصرف لبنان لن يوافق على مقايضة الدولارات التي يملكها في محفظته، بالتدفقات التي يديرها لتصب في السوق بيد التجّار. فهو يدير التدفقات الآتية من الخارج لتغطية الطلب الداخلي عليها، ولكنه إذا قرّر أن ينافس السوق على نحو ربعها فإنه سيقوم بتسعير سعر الصرف بشكل هائل. فعلى سبيل المثال، إذا قرّر أن يشتري 1.2 مليار دولار خلال سنة يتدفق فيها إلى لبنان 6.3 مليار دولار، فإنه سيحرم السوق من ربع التدفقات.