لم يطُل الوقت حتّى سُرّبت المسودة النهائيّة من اتفاق ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة مع كيان العدوّ. بالتأكيد، ما كان لبنان لِيحصل على الخطّ اللبناني 23 لولا الضغط غير المسبوق الذي أمّنته المقاومة منذ انخراطها المباشر في الملفّ في الأشهر القليلة الماضية. على أنّ هذا الإنجاز «النسبي» لن يبلغ مبتغاه بتحرير يدّ لبنان بتطوير ثرواته شمال هذا الخطّ وفي حقل قانا المُحتمل (حتّى في جزئه الممتدّ جنوب الخطّ 23) إذا لم تبقَ الأعين مفتوحة على جملة من الأفخاخ.
أمّا وقد أصبحت مسودّة الاتّفاق في متناول الجميع، وَجَبَ إعطاء الرأي التقني في بعض بنودها. التالي نقاش لبعض العناوين الواردة في أقسام الاتّفاق مع الإشارة إلى مواضع الفقرات المتعلّقة بها. قد يؤخذ على هذه الملاحظات بأنّها هجوم على الاتّفاق وبأنّها توهين للموقف اللبناني. لكنّ الإطلاع المسؤول للرأي العام على مجريات الأمور التقنيّة في هذا الملفّ الذي سيطاول تأثيره أجيالاً من اللبنانيين، هو مصلحة وضرورة وطنيّتان.
1 – رهن بدء تطوير حقل قانا المُحتمل بموافقة العدوّ
تِبعاً للفقرتين «و» و«هـ» من القِسم الثاني من الاتّفاق، رُهِن بِدء العمل بتطوير حقل قانا المُحتمل مِن قِبل المُشغّل (توتال) بموافقة العدوّ. وهذا باب واسع من أبواب التعطيل في المُستقبل. وقد نجد أنفسنا أمام نسخة جديدة من حقل أفروديت القبرصي الذي تأجّل بدء العمل فيه سنوات لاعتراض العدوّ على ذلك رغم العلاقات الودّية التي تربط العدوّ بقبرص.
2. الولايات المتّحدة وحدها مرجع أيّ خِلاف في المستقبل
في الوقت نفسه، حُصِر بتّ الخلافات في أيّ نزاع في المستقبل بالولايات المتّحدة من دون غيرها (القسم الرابع – فقرة أ). كيف للبنان أن يأمن للولايات المتّحدة ببتّ خلافاته مع العدوّ؟ وهل كانت الولايات المتّحدة إلّا طرفاً في أيّ نزاع عربي مع العدوّ؟ فهي والعدوّ كانا دائماً وجهين لعملة واحِدة.
3. لا يحقّ لشركة لبنانية أن تكون صاحبة حقوق في البلوك رقم 9
وخارج أيّ سياق، وبلا أيّ ضرورة، يحرم الاتّفاق الشركات اللبنانية من أن تكون صاحبة حقوق في البلوك 9 بينما لم يُمنع الأمر ذاته على شركات العدوّ في البلوكات المقابلة جنوب الخطّ 23 (القسم الثاني – فقرة ج). لا يُمكن لهذا البند أن يُفهم إلّا إذا وُضع في سياق حِرمان لبنان من المشاركة الفاعلة في تطوير حقوله وتعظيم منفعته الاقتصاديّة من هذه الحقول. ماذا يعني ذلك في سياق انسحاب شركة نوفاتيك كصاحبة 20% من الحقوق من اتّفاقيّتي التنقيب والإنتاج العائدتين للبلوكات 4 و9 و إعلان وزير الطاقة وليد فيّاض، بناءً على توصية هيئة إدارة قطاع البترول، تكليف الهيئة بإدارة حصّة الدولة في هذين البلوكين؟ هذا يعني أنّ الدولة ستتنازل، من ضمن اتّفاق مطبوخ سلفاً، لشركة «توتال» على الأرجح، أو لغيرها، عن حصّتها بسعر بخس هذه المرّة أيضاً بعد أن لزّمت البلوك 9 كلّه للكونسورتيوم بسعر بخس أساساً مقارنة مع البلوك رقم 4، رغم الأرجحيّة للبلوك 9 من ناحية احتمالات الاكتشافات التجاريّة (التفاصيل في القسم الثاني – فقرة «ج»).
4. حقل قانا حقل مُشترك وليس كامِلاً للبنان
خِلافاً لَما أُشيع، يتحدّث الاتّفاق بوضوح عن حقوق للبنان و«حقوق» للعدوّ في حقل قانا المُحتمل وعن «حصّة» للبنان. ولا يُفهم في الاتّفاق، بأيّ طريقة واضحة، بأنّ كامل حقل قانا المُحتمل هو للبنان وبأنّ العدوّ يُعوّض من جيب المُشغّل («توتال») عن «حِصّته». حتّى أنّ الاتّفاق أوجَبَ على المشغّل تطوير حقل قانا المُحتمل وفقاً «لممارسات الصناعة النفطيّة الجيّدة»، وما كان له أن يتناول ذلك لو لم يكن للحفاظ على «حقوق» العدوّ في الحقل المُحتمل (القسم الثاني – الفقرتان «ب» و«هـ»). حتّى أنّ بدء التطوير في الحقل من قِبل المُشغّل، محكوم بموافقة العدوّ كما أوردنا آنفاً.
5. هو اتّفاق نهائي ومُنصِف
يتحدّث الاتّفاق عن نهائيّة الحدود البحريّة مع العدوّ وعن اعتراف لبنان الدائم غير القابل للتغيير بهذه الحدود (مُقدّمة الاتّفاق والقسم الأوّل فقرة «د» والقسم الثالث – فقرة «ج»). فلنفترض جدلاً بأنّ هذا من موجبات الاتّفاق. على أنّ الاتّفاق يؤكّد على موافقة الطرفين على أنّ الخطّ المُتّفق عليه ليس فقط دائماً بل هو مُنصِف. فإذا كانت خطايانا التاريخيّة وسوء إدارتنا للملفّ منذ سنة 2007 أوديا بِنا إلى القبول بالخطّ 23، لِم علينا ابتلاع مقولة بأنّ الخطّ مُنصف؟ كيف يكون الاتّفاق منصِفاً ولم يُعطنا أكثر من 20% من المساحة بين خطّي هوف الذي يحتسب تأثيراً كاملاً لصخرة تخليت والخطّ اللبناني 29 الذي لا يحتسب أيّ تأثير لتلك الصخرة بلحاظ مجافاة ذلك التأثير لمبدأ الإنصاف؟ وما قرار محكمة العدل الدوليّة في الخلاف الحدودي بين كينيا والصومال إلّا تأكيد على متانة الخطّ 29 مقارنةً بخطّ هوف.
6. ضمانات التنقيب والتطوير
حتّى في ما خصّ ضمانات التنقيب والتطوير، حصر الاتّفاق ذلك باعتزام الولايات المتّحدة بذل كلّ الجهود في سبيل ذلك (القسم الثالث – فقرة د). ضمانتنا الوحيدة، تِبعاً للاتّفاق، تعهّد من الولايات المتّحدة… ما هي الآليّة لذلك؟ ماذا لو قرّرت شركة «توتال»، لأيّ سبب من الأسباب، الانسحاب من اتّفاقيّة التنقيب والإنتاج في البلوك 9؟ كيف تُصرف الضمانات الأميركيّة في هذه الحالة؟
7. خُلاصة
الملاحظات اللبنانيّة على مسودة الاتفاق المطروحة من الوسيط الأميركي والملاحظات المقابلة من قِبل العدوّ تركت نُدوباً على «الإنجاز» اللبناني المتواضع أصلاً والمحكوم بإرث من الخطايا في ملفّ ترسيم الحدود البحريّة الجنوبيّة. الزخم الذي ولّده الدعم غير المسبوق الذي أمّنته المقاومة للمفاوض اللبناني معطوفاً على اللحظة التاريخيّة التي أمّنتها الأزمة الأوكرانيّة، هذا الزخم من الصعب أن يتكرّر. الأفخاخ والضبابية التي تحكم فقرات عدّة من الاتّفاق قد تشكّل عوائق لن يطول الوقت قبل أن تطفو مفاعيلها على السطح. قد يكون قد فات الوقت لتصويب الاتّفاق في الكثير من النقاط ولكنّ وضع الأصبع على الجرح بخصوص هذه النقاط أضعف الإيمان المُتاح.
* باحث وأستاذ في الجامعة الأميركيّة في بيروت
مقطع رقم 6 – القسم الثاني – فقرة و
و. رهناً بالاتفاق مع مشغّل البلوك رقم 9، لن تقوم إسرائيل بممارسة أيّ حقوق لجهة تطوير المخزونات الهيدروكربونية الواقعة في المكمَن المحتمَل، كما أنها لن تعترض على أيّ أنشطة ترمي إلى تطوير المكمَن المحتمَل أو تتّخذ أيّ إجراءات من شأنها تأخير تنفيذ الأنشطة من دون مسوّغ. كما أنّ إسرائيل لن تعمل على تطوير أيّ تراكمات أو مخزونات من الموارد الطبيعية في المكمَن المحتمَل، بما في ذلك الهيدروكربونات السائلة أو الغاز الطبيعي أو غيرها من المعادن، والممتدّة على طول خط الحدود البحرية.
مقطع رقم 9 – القسم الرابع – فقرة أ
أ. يعتزم الطرفان حلّ أيّ خلافات بشأن تفسير هذا الاتفاق وتطبيقه عن طريق المناقشات التي تقوم الولايات المتحدة بتيسيرها. كما يدرك الطرفان أنّ الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهدها في العمل مع الطرفين على المساعدة في تهيئة جوّ إيجابي وبنّاء والمحافظة عليه لعقد النقاشات وتسوية أي اختلافات بنجاح وبأقصى سرعة ممكنة.
مقطع رقم 4 – القسم الثاني – فقرة ج
يتّفق الطرفان على أنّ الشخصية الاعتبارية ذات الصلة التي تتمتّع بأيّ حقوق لبنانية في التنقيب عن الموارد الهيدروكربونية وتطويرها في البلوك رقم 9 اللبناني («مشغّل البلوك رقم 9») ينبغي أن تكون شركة أو شركات ذات سمعة طيبة، دولية، وغير خاضعة لعقوبات دولية، وألا تعيق عملية التيسير المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة، وألّا تكون شركات إسرائيلية أو لبنانية. وتنطبق هذه الشروط كذلك على اختيار أيّ شركات تخلُف الشركات المذكورة أو تحلّ محلّها.
مقطع رقم 3 – القسم الثاني – فقرة ب
يتعين أن تجري أنشطة التنقيب في المكمَن المحتمَل وتطويره وفقاً لممارسات الصناعة النفطية الجيدة لجهة حفظ الغاز بغية تحقيق أقصى قدر من الكفاءة في مجال الاسترجاع وسلامة التشغيل وحماية البيئة، وعلى أن تراعي القوانين والأنظمة المعمول بها في هذا المجال.
مقطع رقم 5– القسم الثاني – فقرة هـ
هـ. يدرك الطرفان أنّ إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 يخوضان بشكل منفصل نقاشات لتحديد نطاق الحقوق الاقتصادية العائدة لإسرائيل من المكمَن المحتمَل. وستحصل إسرائيل على تعويض من مشغّل البلوك رقم 9 لقاء الحقوق العائدة لها من أيّ مخزونات محتمَلة في المكمَن المحتمَل؛ لهذه الغاية، ستعقد إسرائيل ومشغّل البلوك رقم 9 اتفاقية مالية قبيل اتخاذ مشغّل البلوك رقم 9 قرار الاستثمار النهائي. ويتعيّن على إسرائيل العمل بحسن نيّة مع مشغّل البلوك رقم 9 لضمان تسوية هذا الاتفاق في الوقت المناسب. ولا يكون لبنان مسؤولاً عن أيّ ترتيب بين مشغّل البلوك رقم 9 وإسرائيل ولا طرفاً فيه. ولا يؤثّر أيّ ترتيب بين مشغّل البلوك رقم 9 وإسرائيل على الاتفاق المبرَم بين لبنان ومشغّل البلوك رقم 9 ولا على حصّة لبنان الكاملة من حقوقه الاقتصادية في المكمَن المحتَمل. كما يتفهم الطرفان أنه رهن ببدء تنفيذ الاتفاقية المالية، سيقوم مشغل البلوك رقم 9 المعتمد من لبنان بتطوير كامل المكمَن المحتمَل حصرياً لصالح لبنان، وذلك تماشياً مع أحكام هذا الاتفاق.
مقطع رقم 8 – القسم الثالث – فقرة د
يُدرك الطرفان أنّ حكومة الولايات المتحدة تعتزم بذل قصارى جهودها ومساعيها لتسهيل الأنشطة النفطية الفورية والسريعة والمتواصلة التي يقوم بها لبنان.
المصدر: الاخبار