كتبت “الاخبار”:
يحاول التيار الوطني فرض معادلات جديدة على حلفائه وخصومه في ما يتعلق بالفراغ الرئاسي. لكن لكل من الحلفاء والخصوم معادلات مختلفة، وفي مقدمهم حزب الله الذي تختلف حساباته عن رؤية التيار للحكومة والرئاسة معاً
التباين في وجهات النظر بين حزب الله والتيار الوطني الحر، في مقاربة مسألة انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل الحكومة، ليس جديداً. لكن الوقت الذي بات ضاغطاً على التيار، يجعل من هذا التباين مناسبة كي يطلق مجموعة من الاقتراحات يميناً وشمالاً، يمتزج فيها الدستوري بغير الدستوري.
يحاول التيار، من وجهة نظره، إحراج الجميع بطرح اجتهادات وأفكار و«توريط» الآخرين فيها، سواء من القوى المسيحية أو بكركي (وهو يعرف تماماً مواقف بكركي من هذه النقطة تحديداً) أو من حلفائه، بذريعة الحفاظ على الموقع المسيحي فلا يفرغ من شاغله تحت أي ظرف. لكن التيار، بسلوكه هذا السبيل، يعرف أنه يزيد على التوترات القائمة مشكلات جديدة تتعلق بالخلاف الدستوري وبالاجتهادات المتناقضة، وكثير منها أصبح غبّ الطلب وخارج كل منطق دستوري وقانوني، ويدخل لبنان في طريق خلافي جديد، لا يجد حزب الله طائلاً منه في مرحلة حافلة بالتحديات الداخلية والإقليمية.
من هذا المنطلق، دخل حزب الله على خط تحريك الملف الحكومي، انطلاقاً من ثابتة أساسية تتعلق بمقاربته للحكومة. وسواء كانت لتصريف أعمال أم عادية، فإنها لا تقدم أو تؤخر في مساره في التعاطي في ملفات الداخل وما يتعلق بالترسيم والمعادلات ذات الأبعاد الإقليمية. لا يقلل الحزب من أهمية تأليف الحكومة، لكنه ينظر إلى تنشيط هذا الملف على أنه محاولة لفك اشتباك دستوري وقانوني وعدم إشغال الساحة الداخلية بنقاش إضافي عقيم، لا أكثر ولا أقل. وتبعاً لذلك، يسعى إلى الذهاب بهدوء نحو الفراغ المتوقّع بحكومة كاملة تخفّف التوتر القائم. لكن الحزب يأخذ وقته كذلك، وهو هنا يتلاقى مع الرئيس نبيه بري الذي يفرمل بدوره أي انطلاقة للحكومة ولا يستعجل الذهاب إليها مبكراً، تماماً كما الرئيس المكلف نجيب ميقاتي. فالحزب وبري لا يضيرهما، بعد الانتخابات النيابية وحصانة موقع الرئاسة الثانية، أن ينصرفا عن الرئاسة الأولى والثالثة فيما القوى السنية والمسيحية منشغلة عن العمل الجدي في معالجة الثغرات المتعلقة بتشكيل حكومة فعلية وإجراء حتمي لانتخابات رئاسة الجمهورية.
عند حد كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والحث على تأليف الحكومة، تقف محاولة الحزب استرضاء حليفه، التيار الوطني الحر، الذي يمعن في ابتزازه بالترويج لأفكار تتعلق بالفراغ الرئاسي، لكن من دون أن يجاريه في أي طروحات، واجتهادات تتعلق ببقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته. فافتعال مشكلة جديدة دستورية بطرح البقاء في بعبدا، يعني تفجير الوضع الداخلي بسبب معارضة معظم الحلفاء والخصوم لهذه المعادلة. ولا يبدو حزب الله في وارد القبول باحتمال من هذا النوع. فالفراغ ليس «آخر الدنيا» وسبق حصوله أكثر من مرة، ولن تكون خطورته أكبر من خطورة بقاء عون في موقعه، وما ستثيره هذه الخطوة من تأثيرات سلبية في الساحة الداخلية وإدخال لبنان في تجاذبات لا يرتاح الحزب إلى إشغاله بها من دون مبرر.
في المقابل، يدرك الحزب – كما خصومه – أن ترويج التيار لهذا المشهد المستجد بعد 31 تشرين، يعني في خلفيته استدراج عروض ممن يملكون مفتاح القرار الحكومي من دون الرئاسي، على اعتبار أن لا إفراج قريباً عن ملف الرئاسة. وهنا تكمن مفارقة التيار الذي يسعى إلى تعويم تأليف الحكومة بقدر أكبر من الأهمية بما يطغى على انتخابات الرئاسة. وهو في توجيهه رسائل بالجملة إلى خصومه، ولا سيما المسيحيين، يعطي للفراغ الرئاسي وبقاء عون في بعبدا مرتبة متقدمة على محاولة الاتفاق موضوعياً على رئيس للجمهورية، وفرض انتخابات الرئاسة، لصالح الكلام عن تشكيل الحكومة. وهنا، يبرز الفرق بين مقاربة التيار وحزب الله للانتخابات والفراغ الرئاسي. فإذا كان التيار يحتكم إلى الدستور في الاجتهادات حول خطوات تدرس لتعليل بقاء رئيس الجمهورية في موقعه، فإن الدستور نفسه بعدم ذهابه إلى إعطاء بدائل للفراغ الرئاسي إنما يضع الانتخابات في مرتبة الضرورة الحتمية، ويعطي مهلة شهرين لإنجازها. والاختباء خلف «مسيحية» المركز الأول استنفد الوقت الذي كان يجب تخصيصه للاتفاق على رئيس، في حين أن الانشغال الأساسي تمحور حتى الآن في تعزيز حصص رئيس الجمهورية والتيار في حكومة إدارة الفراغ. أما الحزب فانشغاله في مكان آخر، لا الحكومة أولوية إلا بقدر ما يمكن أن تخلق مساحة تهدئة بدل بؤر التوتر التي يخلقها الفراغ، ولا رئاسة الجمهورية تشغله إلى حد أنه لا يزال، قبل شهرين من موعدها، من دون أي مرشح رئاسي يخوض به مع بدء المهلة الدستورية معركة الانتخابات. لذا سيعطي الأولوية من الآن وصاعداً للحكومة وسيخوض مجدداً مع التيار معركة الأحجام والحصص، كي يسحب تدريجاً موضوع ما بعد 31 تشرين الأول من التداول.