جاء في “الراي” الكويتية:
لفحت حرب غزة المشهد اللبناني الذي لم يكد أن يهنأ بارتفاع أسهم تحقيق اختراقٍ حاسم في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل، حتى هبّ عليه «لهيب» المواجهة بين تل أبيب وحركة «الجهاد الإسلامي» التي تبدو مدجَّجةً بأبعاد تتجاوز «مسرح العمليات» المباشر.
وقرأت أوساطٌ واسعة الاطلاع في بيروت اندفاعةَ النار في غزة بوصْفها «معركة بديلة»، يريد عبرها الإسرائيلي «تعويضاً معنوياً» عن التراجعاتِ التي يعتزم تقديمها في ملف الترسيم البحري تحت ضغط «وهج» سلاح «حزب الله» وتتيح استعادة «قوة الردع» في الطريق إلى الانتخابات التشريعية، وترى فيها طهران «صندوقة بريد» سواء لزيادة الضغط في غمرة بلوغ مفاوضات النووي مرحلة مفصلية أو لتأكيد أن أي إحياء للاتفاقٍ سيبقى معزولاً عن أي تنازلاتٍ في ساحات أخرى.
وفيما كانت «سرايا القدس» تطلق اسم «وحدة الساحات» على عمليتها رداً على عملية «الفجر الصادق» التي بدأها الجيش الإسرائيلي، جاء بارزاً وفق هذه الأوساط أن تحرص طهران على تظهير نفسها وكأنها مَن يتحكّم بـ «أزرار» معركة غزة من خلال استقبال قائد الحرس الثوري حسين سلامي أمس الأمين العام لحركة الجهاد زياد النخالة الذين توعّد إسرائيل بخوض معركة «دون خطوط حمراء».
وإذ جاء هذا اللقاء بعد يومين من إعلان سلامي أن لدى حزب الله «أكثر من مئة ألف صاروخ جاهزة لفتح باب جهنّم على إسرائيل»، وتأكيده «العدو أمام طريق مسدود لشن أي عمل عسكري ضد إيران»، لم يقلّ دلالة إعلان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري إسماعيل قاآني أن «حزب الله يخطط لتوجيه آخر ضربة للكيان الصهيوني وإزالته من الوجود في الوقت المناسب، ومستعدون لمعركة مستمرة وإيجاد حال استنزاف حقيقية لجيش الاحتلال».
وبدا من الصعب وفق الأوساط عيْنها، عزْل هذه التصريحات عن المنعطف الذي دخلتْه المنطقة ربْطاً بمآل مفاوضات النووي وقضية الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل التي تَقَدَّمَ «حزب الله» واجهتها بعدما حدّد بسيناريو «حربي» – جاءت المسيرات الثلاث فوق حقل كاريش «أول غيْثه» – إطاراً دبلوماسياً للدولة اللبنانية وزمنياً لإسرائيل للسير بشروط بيروت التي أوحت المعلومات التي رافقت وأعقبت زيارة الوسيط الأميركي آموس هوكستين الأسبوع الماضي بأنها تقترب من نيْل مطالبها بالكامل في المنطقة المتنازع عليها (860 كيلومتراً مربعاً) مع ضمانات أميركية تتصل بأحقية لبنان بالجزء الإضافي من حقل قانا جنوب الخط 23.
وفي موازاة مناخاتٍ سرت في الساعات الماضية عن تردُّد أو فرْملة في تل أبيب للأجواء التي سادت عن تسليمٍ بمطالب لبنان جرى التمهيد له بأن البديل هو حرب لا تريدها إسرائيل، وعن أن مماطلةً جديدة قد تلوح في الأفق، فإن الأوساط تساءلت عن تداعيات معركة غزة المرشّحة لتتدحرج على ملف الترسيم، بحيث إن أي انفلات لها وتسبُّبها بـ «ندوب» إضافية لـ «الهيْبة» الإسرائيلية يمكن أن يدفع إلى التشدد حيال منْح بيروت كل ما طلبتْه في الترسيم، في حين أن استرداد زمام المبادرة تجاه الداخل الإسرائيلي من «ملعب النار» الغزاوي بما يعوّض التنازلات البحرية الاضطرارية قد يساعد في تمرير الاتفاق ما لم تقتضِ الحسابات الإيرانية جرّ تل أبيب إلى حرب استنزافٍ.
وفي حين ذكّرت الأوساط بأن هذه المناخات المحتدمة تتقاطع مع تقديراتٍ كانت سرت بأن «حزب الله» سيعمد في الطريق إلى أيلول لرفْع مستوى الضغط على اسرائيل في ملف الترسيم و«تحمية الميدان» تدريجاً ابتداءً من منتصف الجاري، وعلى وقع اعتبار رئيس المجلس التنفيذي في الحزب هاشم صفي الدين أن «محاولات الأعداء منع المقاومة من الحصول على السلاح الاستراتيجي والكاسر للتوازن فشلت والمقاومة حصلت على هذه الأسلحة ولم يستطع العدو أن يفعل شيئاً للردع»، تلقت بيروت تقارير ديبلوماسية نقلاً عن أوساط عربية تحدثت عن احتمال مشاركة حزب الله في العمليات العسكرية لملاقاة ما يجري في غزة.
ولكن كُشف أن إحدى البرقيات العاجلة التي وصلت إلى لبنان تشير إلى أن الروايات عن احتمال مشاركة الجبهة الشمالية مع ما يجري في «غلاف غزة» وتورط حزب الله في الحرب «ليست سوى سيناريوات إعلامية رافقت الوساطة المصرية لوقف ما يجري في غزة، وتزامنت مع وصول وفود عالية المستوى الى غزة وإسرائيل لترتيب وقف للنار بمعزل عما يجري في الجزء الشمالي من المياه الإقليمية لفلسطين المحتلة وما يرافق مشروع استخراج النفط من حقل كاريش وتسويقه مطلع الخريف المقبل».