في حال تم التوصل لهدنة ام استمرت المعارك لكن الأكيد أنّ الحرب ستنتهي بوجهين: ايران استفادت بشكل كبير جدّاً من الحرب الفلسطينية الاسرائيلية من خلال تغيير المعادلات وإظهار قدراتها الصاروخية في أيدي حماس التي بلغت المدن الاسرائيلية. وملف الصواريخ الذي سيفرض نفسه واقعاً على طاولة مفاوضات فيينا، ما سيفرح الأطراف التي طالما طالبت بذلك وهي دول الخليج وعلى رأسها السعودية إضافة إلى اسرائيل، وحاولت إيران تفاديه، أما الضحايا، فكالعادة هم الشعوب، خصوصاً النساء والأطفال.
لماذا يحق لاسرائيل قصف غزة وغيرها من الدول بهذا الشكل العنيف من دون أن يرف لها جفن؟ لماذا لا أحد يوقفها أو يوقف هجماتها التي لا يمكن اعتراضها؟ وتستخدم كل انواع الاسلحة وتختبرها على المواطنين؟ من أعطاها حقّ اقتحام منازل الفلسطينيين وترويعهم خلال النهار والليل من دون إنذار لأكثر من عقدين من الزمن؟ من هي هذه الدولة الأقصر كتاريخ بين الدول الحديثة (سبعينَ عاماً فقط على ولادتها) لتكون أقوى من أعظم البلاد كالولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أوروبا وأوستراليا والهند وغيرها من الدول التي تدافع عنها؟ لماذا لا تبالي عندما يتنفض الرأي العام العالمي ضدّها ويضغط لتتوقّف عن مجازرها؟ لماذا تُشجعها أميركا على القتل وإراقة الدماء أكثر عبر إبرام اتفاقات عسكرية معها، بدلاً من تهدئة الأمور توازياً مع ارتكابها الجرائم والابادات؟ ما سرّ امتلاكها وحيدة حقّ الدفاع عن النفس؟ هل معنى أن تكون الأقوى أي الأكثر شرّاً؟
ومن دون الانحياز لاي طرف (دائماً الحقّ مع القضية الفلسطينية حتّى لو تخلى عنها أبناءها)، لكن الطرف الذي يدّعي محاربة اسرائيل وتحرير القدس يعتمد نفس سياسات اسرائيل في القمع وارتكاب الجرائم بحق شعبه والسيطرة عليه باسم الدين، أكان “حزب الله” أو “حماس” أو “الحشد الشعبي” أو الحوثيين، فكيف يقولون انهم يحاربوها؟ والشعوب والبلاد الذين يتحكّمون بها مشرذمة؟ هل يلتزمون بإدارة معركة غزة عسكرياً من لبنان واليمن والعراق بالتنسيق مع حركتي حماس والجهاد، من دون الدخول في الحرب مباشرة بصواريخهم لأنها ليست في مصلحتهم ولن يتحمّلونها في ظل انهيار البلد الذين يتحكمون به، على الرغم من أن مهمتهم تكمن في تحرير القدس وفلسطين والوعد بالصلاة هناك.
على الرغم من ذلك، لن تتمكن تل أبيب من شنّ عملية برية ضد غزّة لأنّها ستكون مكلفة جداً للجيش المنقسم، أكان عبر وقوع قتلى في صفوفه أو وقوع جنود أسرى عند حماس واختلاف السلاح النوعي في حرب الشوارع، وبالتالي لا يريد الجندي الاسرائيلي التوغّل في القطاع.
العملية البرية ستنهي أيضاً مسيرة نتنياهو السياسية، فهو المجرم والسفاح والمتعطش للدماء مثله مثل خصومه، والأهم من ذلك، أن هذا القرار سيكون حاسماً لإشعال المنطقة ويجرّ معه سلسلة أحداث لا يمكن تقدير نتائجها.
وفي وقت أكّدت كتائب القسام أنّها جهّزت خطّة لإطلاق الصواريخ على اسرائيل لستة اشهر متواصلة واعتراضها يُكلّف اسرائيل خسائر فادحة والصواريخ هي السلاح الوحيد في أيدي الفلسطينيين، فإنّ تدمير إسرائيل لغزة وأبراجها لن يخفي أن كلفة الحرب على الدولة العبرية ضخم لان غزّة وأهلها اعتادوا الحروب والدمار، فيما الدمار الذي لحق بالمدن كتل أبيب وعسقلان وسيدروت وغيرها وبلوغ الصواريخ أهداف غير متوقعة يحصل للمرة الأولى وانتقال حزء من المعركة إلى البحر فضلاً عن أجواء الشارع الاسرائيلي الذي اختبر للمرة الأولى أيضاً رعب الحرب وسقوط الصواريخ فوق رؤوسه على سياراتهم ومنازلهم، ما أدى لمقتل نحو 20 اسرائيليا وجرح نحو 400 بينهم أطفال وشلل في الحركة الاقتصادية وبقاء الاسرائيليين في الملاجىء لفترات طويلة، فاختبروا طعم السمّ الذي لطالما أطعمه نظامهم للدول.
اكثر من انتفاضة
الى ذلك، عُزلت اسرائيل بعد إغلاق مطاراتها بسبب الصواريخ وتعليق عدد من الخطوط الجوية رحلاتها اليها. فبعد إقفال مطار بن غورين، حاول الاسرائيلي مطار رامون في الجنوب لكن لم تنجح المحاولة بسبب اطلاق صاروخ بعيد المدى قطعَ مسافة 250 كلم فأغلقَ، وهذا لم يحدث في تاريخ اسرائيل لفترة أسبوع حتى الان.
وفي السياق، اشتعلت الضفة الغربية و أخذ سكانها المبادرة وأبناء الخليل في الشوارع والميادين يشتبكون مع القوات الاسرائيلية ويشنون هجمات مسلحة عليهم في اللد، حيفا، الرملة، الناصرة، كفرقاسم، يافا، عكا وغيرها فضلا عن هجمات من “فتح” والمستوطنين اليهود المتطرفين وكأنها اكثر من مجرد انتفاضة وتشبه حرباً أهلية بين العرب واليهود، ما يظهر بوضوح أن اسرائيل دخلت في بداية طريق انهيارها وتفكّكها.
الواضح أن المشهد تغيّر في الاراضي الفلسطينية ومهما زاد القصف الاسرائيلي ستتواصل الرشقات الصاروخية على المدن الاسرائيلية أكان بـ50 صاروخ في الدقيقة أو 200 أو 1000، لذلك اسرائيل في وضع حرج وصعب لأنها ستظهر في وضع ضعيف إذا توقفت الحرب لكن لا تزال الصواريخ تُشكّل تهديداً، وبالتالي ستتوقف آلة الحرب مع إبقاء الصواريخ للتفاوض في المرحلة المقبلة.
في الكثير من الاحيان، الجميل أن ترى ان فئة من البشر التي اتت الى ارض ليست لها وخلقت دولة تحت اسباب ايديولوجية متطرفة تذوق معنى الخوف والدمار والحرب والحقد الذي نشرتها في الدول المحيطة… فهل انتهى الحلم الصهيوني؟