طفح كيل الاميركيين وإدارتهم الديموقراطية الجديدة، باستفزازات ايران لقواتهم في الشرق الاوسط، سيما في العراق، على يد أدواتها العسكرية المنتشرة في بلاد الرافدين، وأبرزها الحشد الشعبي. فالاثنين الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن الجيش الأميركي نفذ مساء الاحد ضربات جوية ضد فصائل مسلحة مدعومة من إيران في الأراضي العراقية والسورية. وقال البنتاغون -في بيان- إن هذه الضربات جاءت ردا على هجمات بطائرات مسيرة شنتها تلك الفصائل على أفراد ومنشآت أميركية في العراق. وأضاف أن الغارات الأميركية استهدفت منشآت لتخزين الأسلحة في موقعين بسوريا وموقع في العراق. وقال البيان إن “هجمات هذا المساء تظهر أن الرئيس (الأميركي جو) بايدن واضح في أنه سيتحرك لحماية الأميركيين”. وذكر أنه تم اتخاذ الإجراء “الضروري والمناسب والمدروس” للحد من مخاطر التصعيد ولإرسال رسالة ردع واضحة لا لبس فيها.
امس، شارك آلاف من عناصر الحشد الشعبي وأنصارهم في تشييع رمزي لقتلى تحالف الفصائل الموالية لإيران الذين قضوا في الغارة الأميركية على الشريط الحدودي بين سوريا والعراق. وافاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ان تسعة من مقاتلي الحشد قتلوا في الضربات بالقرب من ناحية البوكمال على الجانب السوري من الحدود، في حصيلة جديدة بعد وفاة اثنين من الجرحى. وذكر المرصد في وقت سابق أن مخزن أسلحة دُمر في الغارات… من جانبه، أعلن الحشد الشعبي في بيان مقتل أربعة من مقاتليه في الضربات الأميركية التي قال إنها استهدفت “ثلاث نقاط مرابطة” داخل الحدود العراقية في قضاء القائم غربي محافظة الانبار، مشيراً إلى أن مقاتليه كانوا “يؤدون واجبهم الاعتيادي لمنع تسلّل عناصر داعش الإرهابي من سوريا إلى العراق”.
بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية مطّلعة لـ”المركزية”، فإن هذا التطور لافت في توقيته،اذ يأتي غداة انتخاب المتشدد ابراهيم رئيسي رئيسا لايران، وقد سارع فور فوزه بالاستحقاق، الى اطلاق مواقف عالية السقف سيما في ما يخص المفاوضات النووية، معلنا رفضه المطلق لأكثر من الحدّ الأدنى من امتثال إيران لاتفاق 2015، في مقابل رفع جميع العقوبات الأميركية، متجاهلاً الدعوات إلى متابعة المناقشات من أجل توسيع الاتفاق النووي ليشمل برنامج الصواريخ الباليستية، وحضور طهران في المنطقة، باعتبارهما ملفّين “ليسا قابلين للتفاوض”، علماً بأن هذه الملفات يأمل المسؤولون الأميركيون معالجتها كجزء من صفقة متابعة أوسع مع الجمهورية الإسلامية.
وفي موازاة التصعيد السياسي هذا، حرّكت ايران من جديد، اذرعَها في العراق ضد اهداف اميركية. فمن نافل القول، تتابع المصادر، ان قوات الحشد لا تتحرك من دون ضوء اخضر من راعيها الايراني. وازاء هذا السلوك الايراني، قرّرت واشنطن توجيه رسالة قوية سريعا الى رئيسي، تبلغه فيها ان مضيّه قدما في توتير المناخات، سياسيا وعسكريا، لن يفيده بتاتا في “فيينا”، بل انه يتهدّد ديمومة المفاوضات واستمرارها. ففيما يُفترض ان تُستأنف الاسبوع المقبل، ذهابُ طهران أبعد في التصعيد، سيُقابَل بتصعيد مماثل، وسيدفع بالبيت الابيض الى الانسحاب من المحادثات. فهل تلتقط الجمهورية الاسلامية الاشارة الاميركية التحذيرية التي وجّهتها اليها من البوكمال؟ الايام المقبلة ستحمل الجواب.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال الاثنين إن الغارات الأميركية على الحدود العراقية السورية تبعث “برسالة مهمة وقوية” إلى الفصائل المستهدفة لردعها عن مهاجمة القوات الأميركية، قبل ان يعلن امس ان “نوويا، خلافات كبيرة لا تزال قائمة ولا ندري ما إذا كنا سنتجاوزها”، معتبرا أن الأمر عائد بالدرجة الأولى والأخيرة إلى القرارات الأساسية التي ستتخذ في طهران من قبل المرشد الإيراني علي خامنئي. وأكد أن في حال كانت السلطات الإيرانية مستعدة لتنفيذ كل ما يلزم من أجل العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي وبنوده، (الذي عمل وردع البرنامج النووي الخطير لإيران)، فواشنطن جاهزة أيضا تماما لذلك. وختم موضحا أنه في ما يتعلق بمسألة المفاوضات النووية، القرار بات الآن في ملعب إيران لمعرفة مدى جديتها في الالتزام.
المركزية