بين الانهيار الكامل والشامل الذي يعيشه لبنان وسيتوسّع في الاشهر المقبلة وصولا للعام المقبل الى جانب الهجمات التي تستهدف المنشآت النووية الايرانية أكان من إسرائيل او من أدوات داخل إيران توازياً مع الهجمات الاميركية الواسعة ضد اهداف ايرانية، كلها وجهات لعملة واحدة: الاعتراف بالدول اليهودية.
وهذا ما أكّد عليه الرئيس الاميركي جو بايدن بكل وضوح في تصريح مهمّ وخطير جدّاً بعد آخر جولة من القتال في غزة لم يلتَف اليه الإعلام العربي، حيث قال: “لا وجود لسلام في الشرق الأوسط بدون قبول جيران إسرائيل بوجودها كدولة “يهودية مستقلة”.
وقال بايدن: “دعونا نتحدث بوضوح هنا، حتى تعترف المنطقة بأسرها وبشكل لا لبس فيه بالحق الوجودي لإٍسرائيل كدولة يهودية مستقلة لن يكون هناك سلام”. وأكد أن “حزبه يدعم إسرائيل وألا تغيير في سياسته الداعمة لهذه الدولة رغم الانتقادات التي تتعرض لها حكومة بنيامين نتنياهو نتيجة الأحداث الأخيرة”.
هل “حزب الله” ضعيف
ماذا يقصد رئيس اميركي عندما يتحدث بهذه اللهجة والنبرة والسقف العالي واللغة التهديدية؟ هل يؤكد ان مشاكل الشرق الأوسط خلفيتها يهودية إسرائيل واستقلاليتها؟ لا سلام من دون الاعتراف والتطبيع ولا استقرار من دون التعاون معها ولا أمن من دون الاستسلام أو تقبّل الواقع مثلما فعلت الامارات والبحرين والسودان والمغرب وتفعل السعودية وقطر وعمان وسوريا ولبنان وإيران (عبر المفاوضات النووية) وغيرهم عبر العلاقات غير المباشرة.
لن ننكر أن جزء صغير من الانهيار اللبناني سببه السياسات الداخلية لكنه أيضاً بالحزء الواسع منه سببه أننا حجر وجندي صغير على طاولة الشطرنج الضخمة بين كل القوى، خصوصاً الولايات المتحدة-إسرائيل وإيران.
البلد في عين العاصفة ودخلنا في المرحلة الثانية من الانهيار حيث تمّ رفع الدعم جزئياً عن المواد الأساسية في حياتنا وسيستمر ذلك حتى أيلول وبعدها ندخل المرحلة الثالثة والرابعة والخامسة حيث رفع الدعم الكامل. وتستمر هذه الفترة سنتين وثلاثة توازياً مع تقوية وهج اللهب جراء “احتراق” لبنان وانهيار شعبه.
سيشهد البلد مزيجاً من حدثين: مزيد من أعمال الشغب تستغل أوجاع الناس عبر إرسال الاحزاب مشاغبيها وبلطجيتها لمهاجمة المؤسسات الرسمية والوزرات وإلقاء قنابل مولوتوف وما شابه عليها لإخفاء كل فسادها وبدأت الامور عبر مهاجمة وزارة الطاقة ومياه لبنان الجنوبي وسرايا طرابلس واقتحامها، والحدث الثاني يكون عبارة عن استرداد الناس لحقوقها مثل توقيف صحاريج النفط وشاحنات الحليب والادوية وغيرها من المواد فضلا عن أحداث شبيهة باقتحام عدد من المحتجين شركة كهرباء قاطيشا في طرابلس احتجاجاً على التقنين القاسي في الكهرباء وطلبوا من الموظفين إعادة التيار الى كل أحياء المدينة لانهم غير قادرين على دفع اشتراكات المولدات الخاصة، الى جانب دخول عدد من شباب الحراك الشعبي الى محطة تحويل كهرباء حلبا الرئيسي سلميا وقاموا بتشغيل المحول الذي يغذي مدينة حلبا بالكهرباء وأناروا المدينة.
من جهة أخرى، ولمن يقول ان حزب الله لا يزال قوي ومتماسك على الرغم من العقوبات الاميركية القاسية ويمسك زمام الامور في البلد، فأين صحّة ذلك في ظل هذا الانهيار الكابوسي؟ خصوصا ان الانهيار اصاب جميع اللبنانيين وتحديدا مناطق الحزب وبيئته بمقتل مثل ضاحية بيروت الجنوبية والنبطية جنوباً وغيرها من المناطق بقاعا حيث ان الدائرة الضيّقة من المحسوبين عليه الوحيدة التي استفادة من دعمه عبر بطاقات مثل “السجاد” و”النور”، أما البقية فتعاني مثل الشعب، فكيف يكون الحزب قوياً فيما قاعدته الشعبية متهالكة؟
الى ذلك، يخشى الحزب استيراد النفط من إيران على الرغم من تهديده مرات بالقيام بذلك بسبب العقوبات التي ستُفرض على لبنان المنهار أصلاً.
وعد “بلفور” آخر
وحول كلام بايدن الذي يُجسّد “صفقة القرن” الذي أطلقها ترامب، فتشير الى ما يشبه وعد “بلفور” لكن اضخم بمرات عند الاعتراف بالدولة اليهودية، حيث ان هناك ثلاث مليون فلسطيني يعيشون تحت الاحتلال في فلسطين “التاريخية” يحملون الجنسية الاسرائيلية يُعرفون بعرب 48.
ووفق حلّ بايدن يجب عليهم المغادرة لأنهم ليسوا يهود. فنجد أميركا بعظمتها، دولة الحريات والحقوق واللاعنصرية، تُشجّع إقامة دولة دينية عنصرية وأنه لا استقرار من دونها.
وما قاله رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتيه في غاية الأهمية من أنه “للمرة الأولى منذ 1948 أصبح عدد الفلسطينيين داخل فلسطين “التاريخية” أكثر من اليهود بـ200 ألف انسان وإذا لم تأت اسرائيل الى حل الدولتين، ستذهب الى النوذج الجنوب أفريقي: أقلية يهودية تحكم أغلبية فلسطينية”.
يقول المتابعون إن “هذا القرار والتطورات التي تلحقه أكبر من وعد “بلفور” لأنه حينها كان الهدف أن اليهود بحاجة الى وطن. أما الآن، فهم يريدون وطن لهم فقط في هذه المنطقة”.