جاء في “الجمهورية”:
تكشفت أمس كذبة «رفع التعرفة» مقابل رفع «ساعات التغذية»، ويبدو انّ المواطن أكل الطعم بتمرير قرار رفع التعرفة، التي بدورها لن تُحتسب وفق سعر صيرفة انما «صيرفة بلاس».
كشف وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الاعمال وليد فياض، انّ الزيادة في التغذية الكهربائية لن تكون من 8 الى 10 ساعات في البداية، انما ستكون تدريجيّة. وأوضح انّ «مبلغ 600 مليون دولار يُؤمّن 8 ساعات تغذية كهربائية، ولكن مصرف لبنان كشف انّ المبلغ المتوفر هو النصف، أي 300 مليون دولار، ما يعني 4 ساعات تغذية تقريباً».
هكذا إذن تبدّدت الآمال والوعود بتحسّن التغذية اعتباراً من مطلع الجاري، لتبقى مافيا المولّدات اقوى من الدولة، ويبقى المواطن رهينة عند اصحاب المولدات. وتبين انّ كل ما يُسوّق له عن تحسّن في التغذية ورفع الجباية وتقليص للهدر التقني… ما هو سوى استمرار للوعود الكاذبة بتحسين التغذية، وما هو سوى دليل على انّ العقبة ليست ناتجة فقط من تعرفة الكهرباء المتدنية، انما ربما من قرار سياسي بالتواطؤ مع أصحاب المولّدات بتغلّب الدويلة على الدولة. وعليه، كيف سيتقبّل المواطن وصول الجابي اعتباراً من شباط المقبل، ليجبي ثمن فاتورة مضاعفة لتغذية لم تتحسّن ولم تغنيه تالياً عن المولد، وما دامت الفاتورتان ستتقاربان، فقد يجد المواطن نفسه بين خيارين: اما فاتورة مرتفعة من دون تغذية، أي لزوم ما لا يلزم، او فاتورة مرتفعة مع تغذية متوسطة.
وهذا ليس كل شيء، فمع كل هذا الارتفاع في فاتورة الكهرباء، سيضطر المواطن إلى دفع 37 سنتا بدلاً من 27 سنتاً لكل كيلواط ساعة يزيد عن اول 100 كيلواط، في حال لم تدفع الدولة المفلسة كلفة تأمين الكهرباء للمخيمات الفلسطينية والسورية، كذلك كلفة فواتير المؤسسات والمرافق العامة، على انّ سعر الصرف المتبع لن يكون صيرفة الذي هو راهناً بمعدل 30300 ليرة، انما وفق سعر صرف «صيرفة بلاس»، أي مع هامش زيادة يحدّدها مصرف لبنان، لتقليص حجم الخسارة الناتجة من ارتفاع الفارق بين سعر الصرف في السوق السوداء وسعر صيرفة.
وفي السياق، يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني لـ«الجمهورية»، انّ ما اعلنه وزير الطاقة امر متوقع. فنحن لا ننتظر من مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة ان تتمكن من تأمين الكهرباء للشعب اللبناني، او ان تحل مشكلة الطاقة بشكل عام. ورأى انّ اي حل لملف الكهرباء يجب ان يأتي من خارج وزارة الطاقة ومن خارج مؤسسة كهرباء لبنان. وقال: «في الأساس ليس الحل بتوفير التمويل من مصرف لبنان، اي من أموال المودعين، انما مؤسسة مثل كهرباء لبنان تبيع الكهرباء وتقبض فواتيرها من المواطنين، يفترض ان تكفيها الجباية لشراء المحروقات والصيانة».
أضاف: «لقد أقدمت المؤسسة على رفع التسعيرة حتى تتمكن من شراء المحروقات من اموال الجباية. فلماذا الذهاب إلى مصرف لبنان لتبديد ما تبقّى من اموال المودعين؟».
واعتبر مارديني انّ الكهرباء مسؤولة في جزء كبير عن الأزمة الحالية. لافتاً الى انّ «نهج الاستدانة من مصرف لبنان كان قائماً منذ ما قبل الأزمة. وللأسف لا يزال مستمراً باستخدام اموال المودعين وحرقها، من خلال استعمالها لشراء المحروقات. وهذا ما اوصلنا للأزمة التي نحن فيها اليوم. وللأسف، عوض ان نتعلّم من الماضي لا تزال السلطة تمتهن الاقتراض وسلف الخزينة وتمعن بالسير بهذا النهج. فهل يُعقل انّ شركة تحتكر انتاج وبيع الكهرباء على كافة الاراضي اللبنانية تحتاج إلى من يعطيها الاموال لشراء المحروقات؟ ما الحاجة اليها تالياً؟».
تجربة تولا
في ظلّ هذه الاجواء ومع بدء العمل بالتعرفة الجديدة المرتفعة في مؤسسة كهرباء لبنان، سيضطر المواطن عاجلاً ام آجلاً إلى اختيار دفع فاتورة من اثنتين، اما فاتورة مؤسسة الكهرباء واما فاتورة المولد التي ستتشابه في المرحلة المقبلة، لا سيما إذا احتسبنا التعرفات الشهرية الثابتة للمؤسسة.
وفي هذا الاطار يطرح مارديني تجربة بلدة تولا البترونية التي تخلّت كلياً عن كهرباء الدولة التي لم تكن تصلها اصلاً. ويقول: «في تولا مشروع للطاقة الشمسية يغذي البلدة بكاملها، ويؤمّن لها بمعدل 10 ساعات كهرباء في النهار وترتفع التغذية صيفاً الى 14 ساعة وتتراجع شتاء إلى نحو 4 ساعات، وتعمل مولّدات الكهرباء على تأمين النقص في التغذية بما يؤمّن لهذه البلدة 24/24 ساعة كهرباء، فتخلّت كلياً عن كهرباء الدولة. وبالنتيجة تؤمّن هذه البلدة 40% من حاجتها للكهرباء من الطاقة الشمسية بكلفة تصل إلى 7 سنتات في الساعة، اي اقل من تعرفة كهرباء الدولة».
ورأى مارديني انّه يمكن الاستغناء كلياً عن كهرباء الدولة على صعيد البلدات، من خلال اقامة مشاريع طاقة متجدّدة للبلدة بأجمعها، على انّ الدمج بينها وبين المولدات يؤمّن كهرباء 24/24 بفواتير اقل.