كانت لافتة في الايام الماضية مبادرة حزب الله الى التحرك انسانيا في اتجاه اهالي التليل. فبعد تنسيق وتواصل بينه وبعض فاعليات البلدة الجريحة، قدمت الاخيرة الى الحزب، قائمة بأسماء الشهداء والجرحى وعائلاتهم الذين اصيبوا في انفجار خزان المحروقات المخزنة في صورة غير شرعية مطلع الشهر الماضي، ليتكلل التعاون بين الطرفين بلقاء عقد السبت الماضي في جبيل، سلّم الحزب خلاله فاعليات عكار مبلغ مليار و275 مليون ليرة، كمساعدة لعائلات الشهداء والجرحى.
ولم يكتف الحزب بذلك، بل قام وفد من بلدة الدريب العكارية بمرافقة قيادات الحزب الاثنين، بجولة على العائلات المنكوبة، حيث قدمت مبلغ 30 مليون ليرة لكل عائلة شهيد لبناني من شهداء المجزرة (22 شهيداً)، من بينهم (14 شهيداً من أبناء المؤسسة العسكرية) و15 مليون ليرة لكل جريح (51 جريحاً).
هذه اللفتة تأتي بعد ايام على قول الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، غداة الانفجار، خلال إحياء الليلة السابعة من عاشوراء، معزياً الأهالي: نضع إمكانات الحزب في خدمة أهلنا في عكار، لأن هذه الآلام هي آلامنا وأحزاننا، قبل ان يسأل في اطلالة ثانية عن مسار التحقيق، وعن سبب طمس موضوع الحادثة على بُعد أيام، وعن دور الدولة اللبنانية التي لم تسأل عن مواطنيها، مؤكدا “أننا نسعى إلى التواصل مع الأهالي، ولكن لا نريد المزايدة على أحد أو الاستثمار السياسي والتوظيف بالدم، نحن مشاعرنا إنسانية تجاه العائلات المنكوبة، وسنقدم لهم المساعدة المطلوبة”.
بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، فإن حزب الله وعد ووفى بوعده لاهالي التليل، كما ان وعده من اشهر بتأمين المحروقات من ايران للمساعدة في حل ازمة الشح القاتل في البنزين والمازوت، صدق او يكاد مع انطلاق بواخر النفط الايراني من طهران الى بيروت منذ ايام. هذه الوقائع تؤكد بحسب المصادر، ان انهيار الدولة ومؤسساتها في لبنان، المستفيد الاول منه، حزب الله. فهو قادر بسهولة على الحلول مكانها ولا يتأثر سلبا او ايجابا لا بوجودها ولا بغيابها.
بفضل الاموال والدولارات الطازجة والاسلحة والمحروقات التي ترسلها اليه راعيته الاقليمية ايران، تمكّن الحزب بطبيعة الحال، من تكريس نفسه الاقوى على الساحة اللبنانية، ومن تحويل لبنان الى ساحة تستخدمها طهران ساعة تشاء، الا ان لتقصير لبنان الدولة ايضا دورا في الوصول الى هذه المعادلة. فالشرعية قبلت بالتنازل عن سيادتها وقرارها وكلمتها لصالح الحزب شرط ان يغطي مخططاتها الرئاسية والشخصية والحزبية وصفقات فسادها، ويسكت عنها..
والى تفوّق حزب الله المالي، والتخاذل الرسمي وتقصير الدولة المزمن في القيام بواجباتها بتأمين حقوق الناس، يضاف ايضا ابتعاد القوى السياسية عن الارض وتلهيها بالسمسرات والتسويات والمسايرات. فبينما كانت هي تغرق في “بازارات” كان الحزب يحضّر للاستفادة من غيابها وضعفها ليحلّ مكانها في الوقت المناسب، وها هو اليوم يجول في عكار التي كانت دائما مدينة بالولاء لتيار المستقبل.
وبعد، يبقى ان عدم مسارعة المجتمع الدولي الى دعم ثورة 17 تشرين كما يجب، وتفضيل بعض عواصمه التعاون مع المنظومة الحالية، شكلا سببا اساسيا في مساعدة الحزب وايران على احكام سيطرتهما على بيروت، سياسيا وعسكريا وشعبيا. والرهان هو على ان ترتضي الناس الفقيرة والجائعة المساعدات من اي كان اليوم، على أن تُحسن الخيار في انتخابات ايار المقبل فلا تعيد مَن اوصلوهم الى الحضيض الى البرلمان، هذا اذا لم تطيّر المنظومة الاستحقاق.
المركزية