كتبت “الاخبار”:
على رغم أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، سيحلّ، اليوم، ضيفاً على إسرائيل، إلّا أن زيارة الكيان العبري لا تمثّل محطّة رئيسة ضمن جولته المختصرة التي تنتهي في السعودية، حيث غاية الزيارة ومقصدها. مع هذا، يجهّز المسؤولون الإسرائيليون سلّة مطالب يتوقّعون من الضيف الأميركي أن يلبّيها، وفي مقدّمها الإسهام في توسيع اتفاقات التطبيع لتشمل المملكة، والدفع نحو حلف عربي – إسرائيلي لمواجهة تهديدات إيران وحلفائها، وإنْ بدأ على شكل منظومات رادارية إنذارية مشتركة لكشف الصواريخ والمسيّرات «المعادية»، إلى جانب عطاءات مالية وتكنولوجية لن تبخل واشنطن في تعزيزها. وفي ظلّ محدودية التوقّعات، فإن أهمّ ما في الزيارة، من جهة تل أبيب، هو أنها تمثّل فرصة ممتازة لمعاينة وفحص حدود القوّة الأميركية في عالمٍ بات سريع التحوُّل
يصل الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى تل أبيب، اليوم، في زيارة مجاملة للحليف الإسرائيلي، قبل أن يتّوجه إلى السعودية، حيث ينتظره زعماء دول عربية، هم هدف الزيارة ومقصدها. وسيسعى بايدن إلى تجنيد هذه الدول ما أمكن، لمؤازرة الولايات المتحدة والغرب عموماً، في المواجهة العسكرية – الاقتصادية القائمة مع روسيا في أوكرانيا. ومن المقرَّر أن تتضمّن الزيارة إلى إسرائيل، لقاءات بروتوكولية يتخلّلها إطلاق مواقف أميركية تعبّر عن تأييد كامل وشامل لتل أبيب والتزام مطلَق بأمنها وتفوّقها العسكري، وتشديد على الوقوف إلى جانبها في مواجهة التهديدات المُحدقة بها، وفي مقدّمها تلك الإيرانية. من جهته، سيركّز الجانب الإسرائيلي على إثارة مكامن قلقه – وإن بصورةٍ غير مباشرة – من إمكانية تبديل التموضع الأميركي في المنطقة، وتراجع انشغال واشنطن فيها لمصلحة ساحات أخرى. أمّا تهديد إيران وحلفائها، فسيكون محور المقاربة الإسرائيلية للزيارة.
في الموازاة، ستطلب إسرائيل حزمة مساعدات مالية تمويلية لأنظمة عسكرية تساعدها في صدّ التهديدات، سيقابلها سخاء أميركي يضاف إلى إسهامات مالية وعينية عسكرية وأمنية، لم تنقطع على مرّ السنوات الماضية، وهو ما سيسهب في شرحه وسرده والإشارة إليه، الرئيس الأميركي خلال كل فعاليات الزيارة. ومن المقرَّر أن يعرج بايدن على رام الله للقاء مسؤولي السلطة الفلسطينية، وفي المقدّمة رئيسها، محمود عباس، الذي سيتسوّل أن يمنّ عليه الرئيس الأميركي بالتفاتة ما في سياق إحياءٍ – وإنْ شكلي – لعملية التسوية مع الجانب الإسرائيلي، كي يبرّر وجود كيانه أمام شعبه، وكذلك سيطلب التفاتة ما إزاء عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، الأمر الذي لن يَلقى تجاوباً عمليّاً أميركيّاً، وإنْ كان التقدير أن يَذكر بايدن مسألتي التسوية والاستيطان، في مواقفه وتصريحاته في رام الله، من دون دفع أيٍّ من الأفعال. إضافة إلى ذلك، سيكون رئيس السلطة على موعد مع سلّة مساعدات مالية واقتصادية، لن يمنعها عنه بايدن، على أن تكون العطاءات مشروطة باستمرار الدور الموكل إلى السلطة، في تحقيق أمن إسرائيل ضدّ فصائل المقاومة الفلسطينية، بما بات يعرف بـ«التنسيق الأمني».
ما هي توقّعات تل أبيب؟
هناك تقديرات في إسرائيل بأنّ زيارة بايدن محدودة الأهداف والنتائج، وهي تُعّد في الأساس خطوة أولى تمهيدية تكتنفها المجاملات والودّ، قبل زيارة جدة، حيث المقصد الرئيس لزيارة المنطقة. مع ذلك، فإن محطّة بايدن في تل أبيب، تشكّل فرصة لهذه الأخيرة لتحصيل ما أمكن من الإدارة:
– تريد تل أبيب أن توسّع اتفاقات التطبيع لتشمل خصوصاً السعودية، إلى جانب الأعضاء الجُدد في النادي التطبيعي: الإمارات والبحرين والسودان والمغرب. وكانت إسرائيل والولايات المتحدة، ركّزتا، تمهيداً لزيارة بايدن، على جرّ الرياض علناً إلى «حضن التطبيع» مع العدو، لكن التعقيدات الخاصّة وسجن الفرقاء أنفسهم في مواقف ملزمة مسبقة، حالت، في هذه المرحلة، دون إلحاق المملكة بالركب الإسرائيلي علناً.
– تريد تل أبيب حلفاً عربياً – إسرائيلياً لمواجهة تهديدات إيران وحلفائها. حلفٌ يسمّيه البعض «ناتو» إقليمي مصغّر، ويسمّيه البعض الآخر «تحالف المهدَّدين» من جانب طهران. والشهيّة الإسرائيلية إزاء هذا الحلف، تتزايد مع الأيّام؛ وإنْ بدأ التحالف على شكل منظومات رادارية إنذارية مشتركة بين إسرائيل وأنظمة المنطقة لكشف الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي تهدِّد إسرائيل ومصالحها، فهو سيمتدّ ليشمل مطالب بحلف استخباري، ومن ثمّ أمني وعسكري واسع، يشمل أيضاً تحالفات اقتصادية (سوق اقتصادية مشتركة، مركزها إسرائيل)، وردت أيضاً في مطالب وصلت إلى الإدارة عشيّة زيارة بايدن.
وتعيد إسرائيل، خلال زيارة بايدن، تكرار ما تكرّره دائماً: اتفاق شامل مع إيران يضمن، في نتيجته، استسلاماً إيرانياً، أو بدائل على شاكلة عقوبات قصوى أكثر إيلاماً، مع التلويح بالخيار العسكري، وصولاً إلى نفس الهدف: الاستسلام الإيراني. أما إحياء الاتفاق القديم من دون تعديلات – وهو موضع خلاف، كما تبيّن من التسريبات الإسرائيلية -، فسيكون خطوة سيّئة ومضرّة للكيان، لا يمكنه تحمُّلها.l
– تطالب إسرائيل أيضاً بعطاءات مادية وتقنية، على شاكلة تمويل أنظمة دفاعية، بل وتصنيعها في الولايات المتحدة لمصلحتها، كما هي حال منظومات «القبة الحديدية» التي يراد توسيع انتشارها في الكيان العبري، مع تمويل أنظمة اعتراضية صاروخية أخرى، مِن مِثل أنظمة اعتراض ليزرية، إضافة إلى هِبات وصفقات عينيّة تسليحية، من بينها صواريخ خاصّة تساهم في الاستعداد ونقص عدد من الثغرات في إطار الجاهزية التي تعمل عليها في مواجهة إيران.
– كما تطالب بدفع تسوية ما تلحظ مصالحها، في ما يتعلّق بترسيم الحدود البحرية مع لبنان، ليس فقط في إنهاء الترسيم وحفظ المصالح البحرية الغازية والنفطية المباشرة، بل في أن تكون تسوية كهذه توطئة لأخرى أكبر، تصل، في نهاية المطاف، إلى التطبيع مع لبنان، علماً أن المطالب الإسرائيلية – قبل التسوية البحرية وبعدها – ستكون مركّزة على إشراك الإدارة الأميركية أكثر في الجهود والمساعي الاستخبارية والأمنية لمواجهة سلاح «حزب الله»، الذي باتت القدرة الذاتية على لجمه وصدّه ومنع تناميه، متواضعة ومتعذّرة من ناحية إسرائيل، فيما الضغط على لبنان و«حزب الله» بواسطة الأزمة الاقتصادية، هي في الأساس استراتيجية تتبنّاها الإدارة وتسعى إلى تعزيزها، مع أو من دون دفع إسرائيل وتحفيزها.
– في سوريا، ستكون تل أبيب معنيّة بطلب مزيد من التركيز على هذه الساحة، كونها واحدة من أهمّ منابع التهديد، سواء في ذاتها كساحة مواجهة مباشرة، أو في كونها مَعبَراً لمكوّنات التهديد إلى ساحات أخرى، مثل لبنان. وستكون إسرائيل معنيّة بأن تتأكّد أكثر من أن الولايات المتحدة لن تغادر هذه الساحة، وستواصل مساعيها لصدّ إيران وتمركزها فيها، وكذلك في إيجاد توازن عسكري عبر وجود أميركي مباشر ومعزَّز، يسهّل على كيان الاحتلال التعامل مع الضغط الروسي في حال وصلت الأمور إلى القطيعة مع موسكو، وهي حالة مرجّحة في التقديرات الإسرائيلية.
– أن لا تطالب الإدارة الأميركية، إسرائيل بأيّ التفاتة تجاه السلطة الفلسطينية، في ما يتعلّق بسياقات العملية السياسية والمفاوضات، على أن يتركّز الجهد الأميركي مع السلطة ورئيسها، في حث الأخير أكثر على «التنسيق الأمني»، وتلبية الطلبات الإسرائيلية كما تَرد، فيما سيركّز المسؤولون الإسرائيليون في الغرف المغلقة، على ضرورة ربْط أيّ مساعدة ينوي بايدن تقديمها إلى السلطة، بشروط تتعلّق بالمصالح الإسرائيلية، من دون أيّ توقّعات من الجانب الفلسطيني، بإمكان إحياء عملية التسوية، التي ماتت إلى الحدّ الذي لم يَعُد في الإمكان تحريكها، وإن بالشكل.
وعلى رغم محدودية التوقّعات، إلّا أن أهمّ ما في هذه الزيارة، من ناحية تل أبيب، أنها تمثّل فرصة ممتازة لمعاينة وفحص حدود القوّة الأميركية في مرحلة باتت المتغيّرات والتحديات عظمى، تماماً كما هي حال أميركا بوصفها دولة عظمى: متى يمكن واشنطن وكيف أن تفرض إرادتها على دول أخرى، ومتى وكيف وما سبب، أنه لم يَعُد في إمكانها ذلك؟ من ناحية إسرائيل، فإن نتيجة هذا «الفحص»، تجيب على سلّة أسئلة مُقلقة للعدو، ليس فقط في ما يتعلّق بإيران، حيث المراوحة تدفع الأخيرة أكثر إلى الاقتدار العسكري، بل في حقيقة أن الدول الأخرى في المنطقة، وإن كانت تابعة أو حليفة تقليدية لأميركا، ستكون معنيّة بمدّ جسور تواصل مع أعداء إسرائيل، في موازاة جسور التحالف مع تل أبيب أيضاً، لكن من دون أيّ مبادرة فعلية للإضرار بإيران. فحجم انشغال الولايات المتحدة في المنطقة وجدّيتها، هما جزء لا يتجزّأ من أيّ تقدير يتعلّق بالشرق الأوسط من ناحية إسرائيل وحلفائها الجدد والقدامى، وعلى أساسه تبنى الاستراتيجيات والتقديرات.
ستكون إسرائيل، إذن، معنيّة بفحص جاهزية أميركا، وجهاً لوجه مع رأس الإدارة في واشنطن، إن كانت فعلاً في تموضع المبادِر إلى تحسين مواقف وتغيير أنظمة وصدّها ودفعها إلى الخلف، كما كانت عليه في الماضي القريب، وأن لا تكتفي فقط في حماية ما لها في المنطقة من دون المبادرة إلى الإضرار الفعلي بالخصوم والأعداء. فحصٌ كهذا، يجيب إسرائيل عمّا يقلقها، ويسهّل عليها التجهّز لما سيلي. مع ذلك، فإن الزيارة، كما ورد، هي زيارة مجاملة، جاءت فقط لأن بايدن سيزور السعودية. ولولاها، لكانت زيارة تل أبيب موضع شكّ. فزيارة الرئيس الأميركي هناك، في جدة، وفيها تتحدَّد نتيجتها، التي يراد لها أن تكون في خدمة المواة الأميركية مع روسيا، في حين أنّ سلّة المطالب الأميركية، تتحدّد، ويجري التفاوض عليها، من دون ضرورة زيارة رأس الهرم السياسي في واشنطن.