كتبت “الأخبار”:
راهن النائب فؤاد مخزومي كثيراً على «فرصة العمر». رجل الأعمال الغامض «لعبها صولد». سعد الحريري في المنفى والساحة خالية وطريق السراي يمكن أن تعبّد بفتح الخزائن. ملايين الدولارات أنفقها الحالم بكتلة نيابية تحمله إلى رئاسة الحكومة خلال 20 عاماً من العطاء والاستعطاء، لم تعد عليه سوى بـ 20 ألف صوت مكّنته بالكاد من الاحتفاظ بمقعده اليتيم16 مليون دولار أميركي، عدّاً ونقداً، أنفقها فؤاد مخزومي على حملته الانتخابية، بينها 5 ملايين دولار على الإعلام والإعلان، تضمّنت اتفاقيات مع قناتين تلفزيونيتين على إطلالات إعلامية مع الاشتراط عليهما عدم استقبال أي مرشّح منافس في دائرة بيروت الثانية… و«كلّو بحقو» بالطبع.
آلاف من المندوبين لم يكن مطلوباً منهم إلا تسجيل أسمائهم قبل موعد الاستحقاق بثلاثة أشهر مقابل مليونين و300 ألف ليرة شهرياً، وكل مندوب يحصل على أكثر من ثلاث بطاقات هوية تتعدّى «شهريّته» الخمسة ملايين. سيارات مع خطّة نقل مدروسة للناخبين جرى التدرّب عليها قبل أسابيع من موعد الاستحقاق، مقابل 200 دولار «فريش» لكلّ سيّارة مُسجّلة في مكاتب «حزب الحوار الوطني». إفطارات رمضانية للمئات و«كراتين» إعاشة. استحضار 7 أيّار وتحريضٌ مذهبي على «المشروع الفارسي» وعلى حزب الله «الذي يقتنص حقوق رئاسة الحكومة والسُنّة». هجومٌ ناري على «البيانات الوزارية التي تضمّنت ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. تحييدٌ للرئيس سعد الحريري وحلقات استذكار للرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان «يملك هالة الأبوة على الطائفة السنيّة». تغزّل بمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان ودوره. تهليلٌ لعودة السفراء الخليجيين إلى بيروت. يساريةٌ تتفتّح على أعتاب فيلا مقابلة لـ«السمرلند». ثورةٌ تناصر المودعين الصغار ضد المنظومة الفاسدة، ولكن بعيداً من صفقة الـ«تورنادو» ورائحة التورط في فضائح رئيس الوزراء الفرنسي السابق فرانسوا فيون.
كلّ ذلك فعله المرشح الطامح للوصول إلى تلة السراي لا ساحة النجمة فقط. عامٌ من التعب والجهد في رسم معالم شخصية سياسة تُحاكي «أهل السنة» وتضرب على وترهم الحساس. تجربة عام من الانبطاح يجدر أن تُدَرَّس حول كيفيّة نقل البارودة من كتفٍ إلى كتف. عامٌ من الانفصال التام لزائر عنجر «الدوّيم» عن حزب الله و«النظام السوري».
رأى صاحب «فيوتشر غروب هولدنغز» في عزوف سعد الحريري عن خوض الانتخابات فرصة ذهبية لوضع اليد على التركة الحريرية. هو الذي حارب الحريري الأب، حتى في اسم تيّاره، لم يكن يريد أكثر من ابتعاد الحريري الابن لتحقيق كل أحلامه في الحصول على كتلة نيابية تؤهله للانتقال إلى المرحلة الثانية من الحلم: رئاسة الحكومة. 20 عاماً من العطاء والاستعطاء ليكون نسخة عن رفيق الحريري. كان يرى في نفسه ما هو أهم من «أبو بهاء»، لكن القدر والظروف أعجزته عن الوصول إلى «مواصيله»، فتملكته، ولا تزال، عقدة النقص الحريرية.
فعلياً، ذهب عُمر المخزومي السياسي هدراً؛ سنوات من تقديم الخدمات التعليمية والاستشفائية في طريق الجديدة، والنتيجة: «الله، حريري، طريق الجديدة»! من كان يقف عند أبواب مراكزه الطبية على مدى 4 سنوات كان نفسه يصوّت لصالح الحريري الأب ثم الابن. شيء يشبه المثل الشهير عن «الصياد» الذي تأكل الأسماك طعومه وتترك مخلّفاتها على سنارته!
أخيراً، في 2018، وبعد سنوات من الخيبة السياسية، ابتسم القدر للرجل… أو هكذا ظن. بمساعدةٍ من حزب الله وأصواته التفضيليّة، تمكّن من اقتناص مقعده الحالي. دورة واحدة في البرلمان أعادت دغدغة حلم السراي. ازدادت ابتسامة القدر، أو هكذا ظنّ. الحريري المغضوب عليه سعودياً مُبعد ومنفي. هي إذن الفرصة التي تأتي مرة في العمر. لذلك، استشرس الرجل في معركة انتحارية استخدم فيها كل أسلحته، وهو الخبير جيداً بالأسلحة، من أجل امتلاك كتلة نيابية تسميه في الاستشارات النيابيّة لرئاسة الحكومة. واستمات من أجل «ألو» واحدة من طويل العمر. صحيح أنه لم ينل حتى من طرف لسان السفير السعودي حلاوة، لكن الصورة معه كانت كافية للبناء عليها.ad
نزلت الصدمة كالصاعقة على الرجل بعد فتح صناديق الاقتراع. تبخّر الحلم إلى غير رجعة على ما يبدو بعدما اكتشف رئيس لائحة «بيروت بدها قلب» أن الأرقام التي حازها «بتوقّف القلب»، وأن الحواصل الثلاثة «المؤمّنة في الجيبة» وكسر الحاصل الرابع لم «تُقرّش» سوى باحتفاظه بمقعده وحيداً، وأن الـ11 ألفاً و346 صوتاً التي نالها عام 2018 انخفضت إلى 10 آلاف و21 صوتاً، وأن اللائحة التي تزعّمها تمخضت فولدت 20 ألف صوت فقط. بلغة الأرقام التي يعرفها رجل الأعمال الآتي من السعودية، وصلت كلفة الصوت التفضيلي الواحد إلى نحو 1500 دولار! لا الأموال التي أغدقها أتت بنتيجة، ولا الخطاب الهجومي على حزب الله أدّى وظيفته.
«إلغوا الحفل وكبّوا الأكل»، صرخ مخزومي في وجه مسؤولي ماكينته، ملغياً «مهرجان الانتصار» الذي كان مقرراً أن يقيمه. بحسب بعض الحاضرين، سورة غضب عارم بعد إعلان النتائج انتابت الرجل قبل أن تستدعي عائلته إثرها فريقه الطبي إلى المنزل، فنزل تحطيماً بالطاولات وأجهزة الكمبيوتر في مركز ماكينته الانتخابية، صارخاً في وجه فريقه أين صُرفت أمواله، وأين خطة النقل، وأين السائقين الذين قبضوا الأموال وأقفلوا هواتفهم والمندوبين الذين تلقوا الأموال ولم ينتخبوه… وأين كل «الأسماك» التي أكلت الطعم و«عملتها» على السنارة! فيما كانت شقيقته تصرخ بانفعال: «مين وضاح الصادق ليكون نائباً عن بيروت، وكيف بدّاه أهالي بيروت على فؤاد الذي يعمل في العاصمة منذ 20 عاماً؟».ad
كان حلماً وردياً كلّف 16 مليون دولار استفاق منه مخزومي ليلة الأحد، و أخذ وعداً على نفسه أمام مقربين منه بأنها المرة الأخيرة التي يترشّح فيها إلى الانتخابات النيابية.