لم يستغرب احد تراجع نسبة التفاؤل في ملف التشكيل عصر امس بعد ان ارتفعت الى مستويات قياسية صباح الاثنين. فهذه البورصة اعتادها اللبنانيون وحفظوا تقلّباتها عن ظهر قلب، وما عادت تنطلي اللعبة عليهم ولا يصدّقونها. قبل ان يزور الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قصر بعبدا، ويخرج المدير العام لرئاسة الجمهورية انطوان شقير ليذيع مراسيم التأليف، الناسُ غير معنيين بكل ما يحكى ويشاع حول اتصالات التأليف، وهذه الصورة المرتقبة في القصر، وحدها، ستكذّب اقتناعهم بأن لا قرار جديا بفكّ أسر الحكومة في الوقت الراهن.
بحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية” فإن الخلاف على الحقائب وتوزيعها وهويّة شاغليها المستمرة فصوله منذ اكثر من شهر بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وميقاتي، يحول حكما، دون التشكيل، الا انه الجزء الظاهر من جبل جليد العقبات. ففي رأيها، الدوران في الحلقة المفرغة هذه، حيث يتم الاتفاق على شيء اليوم، ليعاد ويُنسف في اليوم التالي، متواصل بسبب قرار خارجي وتحديدا ايراني، بعدم الافراج عن الحكومة حاليا، والا لكانت تمت فكفكة العقد سريعا وبجديّة أكبر، عبر ضغط حزب الله على المعطلين من جهة، وعبر طرح المخارج المرضية للجميع ولو على حساب البعض (وهي مهمّة يبرع بها عادة رئيس مجلس النواب نبيه بري)، من جهة ثانية.. الا ان كل ذلك لم يحصل حتى الساعة، ولو ان الثنائي الشيعي، وغداة اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بنظيره الايراني حسن روحاني، شغّل محرّكاته “شكليا” على خط بعبدا – ميرنا الشالوحي – بلاتينوم.
والى الضوء الاخضر الايراني الذي يبدو لم يتأمّن بعد، تقول المصادر ان ثمة حسابات اخرى تحول دون التأليف، يدرسها ميقاتي بتأنّ. فالقراءة الفرنسية – الاميركية – الخليجية، للأزمة اللبنانية ليست موحّدة، بل ثمة وجهتا نظر. باريس تعتبر ان لا عقبات الا محلّية وتحمّل الفريق الرئاسي عموما ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل خصوصا مسؤولية العرقلة الحاصلة، وتريد من حزب الله ان يتدخّل لدى حليفه البرتقالي ليليّن موقفه، بينما هذا التدخّل بالذات لا يرضي واشنطن والرياض!
ففي رأي العاصمتين، الدور هذا يؤكد ان الحكومة اولا “مسيّسة” وليست مؤلفة من وزراء “مستقلّين”، كما انها حكومة للحزب دور كبير فيها. والتباين لا يقف عند هذا الحد. فباريس تعتبر ان ازمة لبنان داخلية تحلّ باصلاحات اقتصادية، اما الولايات المتحدة والسعودية، فتعتبران ان الحزب اساس “البلاء” في لبنان، وان الاصلاحات التي على الدولة اتخاذها ليست اقتصادية فقط (وهي اصلاحات ترى العاصمتان ان الحزب يمنعها) بل سيادية ايضا. فاذا لم يستردّ لبنان الرسمي “القرار” من حزب الله، واذا لم تنتفض “الشرعية” على ما تفعله الضاحية سياسيا وعسكريا و”نفطيا” و”حدوديا” و”تهريبا”، بما يعيد ربطها بمحيطها العربي وبالمجتمع الدولي، فلا جدوى لا من التشكيل ولا من الحكومة ولا من “الاستثمار” الدولي في بيروت. هذه المعطيات يدرسها ميقاتي جيدا اليوم ليحسم موقفه تأليفا او اعتذارا او اعتكافا، هذا اذا كانت طهران وافقت على ولادة “حكومتنا”.
المركزية