جاء في “القدس العربي”:
أسبوع حاسم ينتظر اللبنانيين على جبهتين: الأولى نتيجة الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس مكلّف بتشكيل الحكومة يوم الخميس المقبل في قصر بعبدا، والثانية جواب تل أبيب على تمسّك لبنان بالخط 23 وحقل «قانا» كاملاً والذي يُفترض أن يحمله الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين.
ولو أن موعد الاستشارات تأخّر بشكل متعمّد كي تتضح آفاق التكليف قبل التأليف ومدى تجاوب الرئيس نجيب ميقاتي الأوفر حظاً لإعادة تكليفه مع أجندة ودفتر شروط رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بالنسبة إلى الحقائب والتعيينات، إلا أن المعطيات تستبعد التوافق بسلاسة على التأليف قبل نهاية العهد الحالي، علماً أن أي تكليف لن تكون أرقامه مرتفعة في ظل الواقع الجديد للساحة السنية حيث تغيب «كتلة المستقبل» التي سبق أن سمّت برئاسة الرئيس سعد الحريري ميقاتي في آخر استشارات في 26 تموز2021 إلى جانب الثنائي الشيعي و«اللقاء الديمقراطي» والطاشناق و«المردة» وعدد من النواب المستقلين ليصل الرقم إلى 72 صوتاً.
أسماء في التداول
وإذا كان بعض النواب السنّة المستقلين يميلون إلى تسمية ميقاتي، فإن نواب التغيير وبينهم سنّة يرفضون تسميته ويتشاورون بين بعضهم البعض في امكان الاتفاق على تسمية أحد من بينهم، وإذا فعلوا قد يطالبون بالتوجّه كتكتل واحد إلى الاستشارات وليس منفردين كما هو وارد في جدول الاستشارات. وفي هذا الوقت يتم التداول بين نواب ببعض الأسماء لرئاسة الحكومة من بينها الرئيس العالمي للأسواق الناشئة في شركة BlackRock عامر البساط، والناشطة سارة اليافي حفيدة رئيس الوزراء الأسبق عبد الله اليافي، والوزيرة السابقة ريا الحسن والنائب عبد الرحمن البزري.
وبإستثناء التشاور والتنسيق بين حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، لا توحي المؤشرات بأن قوى المعارضة على اختلافها موحّدة على تسمية مشتركة الأمر الذي من شأنه أن يكرّر تجربة انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري ونائبه الياس بو صعب بأغلبية فريق 8 آذار، مع العلم أن الرئيس المكلف لا يحتاج إلى 65 صوتاً نيابياً بل فقط إلى أكثرية الأصوات. وإذا كان الحزب الاشتراكي لا يمانع بإعادة تسمية ميقاتي كما فعل في المرة السابقة في حال لم يتم الاتفاق على تسمية موحدة بين القوى السيادية والتغييرية، فإن القوات تنطلق من مواصفات لرئيس الحكومة وتريده سيادياً ولا يسمح بتمسك أي فريق بوزارة محددة ولا يخضع لشروط لا حزب الله ولا التيار العوني، كما ترغب في أن تتشكّل حكومة أكثرية بدلاً من حكومات الوحدة الوطنية.
أين معراب من المشاركة؟
وعلى ضوء هذه الوقائع تحدّد القوات موقفها من التسمية ومن المشاركة في الحكومة خصوصاً أن البعض يشجّع معراب التي باتت تملك أكبر كتلة نيابية وتتمتع بأكبر تمثيل مسيحي على هذه المشاركة لعدم ترك الساحة للتيار الوطني الحر من أجل الاستفراد بالحكومة ووضع يده على غالبية الحقائب الوزارية والتمادي في التعيينات والمحسوبيات كما حصل في حكومتي حسان دياب ونجيب ميقاتي، مع علم القوات أن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يملك حق التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة لن يتقبّل أن يكون للقوات البنانية تمثيل وازن في الحكومة في نهاية عهده ولاسيما إذا حصل فراغ رئاسي وأنيطت صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، لأنه يريد أن يكون لصهره جبران باسيل الكلمة الفصل في التشكيلة الحكومية وفي المرحلة المقبلة، الأمر الذي يطرح علامة استفهام إذا كانت لدى عون مصلحة في توقيع مرسوم تشكيلة تتضمّن تمثيلاً وازناً للقوات يتجاوز ما كانت تتمثّل به سابقاً على حساب حصته وحصة تياره. فالقوات عندما كانت كتلتها 15 نائباً تمثّلت بـ 4 وزراء أما اليوم وكتلتها 19 نائباً فمن حقّها أن تتمثّل بـ 5 وزراء على الأقل في حكومة من 24 وزيراً كترجمة لنتائج الانتخابات النيابية وبأن يكون لديها حقائب سيادية وأساسية. وإذا قرّر حزب الكتائب المشاركة في الحكومة فسينال وزيراً أيضاً على حساب التيار. أما الحزب الاشتراكي الذي حصد 6 مقاعد درزية فعينه على المقعدين الوزاريين الدرزيين في الحكومة الجديدة بعدما ذهب أحدهما إلى ممثل الأمير طلال ارسلان في حكومتي دياب وميقاتي.
حرب صلاحيات
وفي هذا المجال، لا يُستبعد نشوب حرب صلاحيات من جديد بين الرئاستين الأولى والثالثة حول مَن يشكّل الحكومة. فرئيس الحكومة المكلّف سيستند إلى الفقرة 2 من المادة 64 من الدستور التي تقول عن صلاحيات رئيس مجلس الوزراء «يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها». فيما رئيس الجمهورية يستند إلى الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور التي تقول «يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم». وهذا ما يجعل إمكان تشكيل حكومة جديدة أمراً غير مرجّح قبل نهاية العهد ويعني بقاء حكومة تصريف الأعمال.
ولعل موقف الرئيس ميقاتي الذي أعلنه من طرابلس في الساعات الماضية يضع النقاط على الحروف في وجه محاولات جبران باسيل لابتزازه، حيث حرص رئيس حكومة تصريف الأعمال على بعث رسالة للمعنين والقول «في خضم الحديث عن تسمية رئيس الحكومة الجديد، تكثر التحليلات والاجتهادات والتأويلات مما يقتضي وضع الأمور في نصابها الصحيح. ومن هذا المنطلق أقول: مثلما لم أتردد يوماً عن الإقدام على تحمل المسؤولية وخدمة الوطن، لا سيما في المراحل المفصلية والخطيرة، فكذلك لن أتردد في رفض أي محاولة لادخالنا في تسويات لا مصلحة للوطن فيها أو في مساومات سياسية مخالفة لقناعاتنا، لم تكن يوماً واردة لدينا» وأضاف «الإقدام على الخدمة العامة وشجاعة المواجهة شيء، أما الانتحار والمواجهات السياسية العبثية فشيء آخر. ومخطئ مَن يعتقد ان رفع الصوت وافتعال الغبار السياسي والإعلامي في وجهنا، يمكنه أن يلزمنا بأن نزيح قيد أنملة عن قناعاتنا». وختم «إننا مستعدون للخدمة العامة بقناعات وطنية وشخصية واضحة، ولكننا نرفض تحويل موقع رئاسة الحكومة وشخص رئيس الحكومة مادة للتسويات».
ترسيم الحدود
أما على جبهة ترسيم الحدود البحرية، فقد لفت أن هوكشتاين لم يتوجّه على الفور إلى إسرائيل لنقل الطرح اللبناني بل غادر إلى بلاده. وهذا ما جعل البعض يتساءلون إن كان الوسيط الأمريكي من خلال دبلوماسيته غير المكوكية يعرف مسبقاً أن تل أبيب تتحفّظ على طرح لبنان وأنه يريد وقتاً لإقناعها بهذا الطرح. فيما البعض الآخر رأى أنه طالما تراجع لبنان عن التمسك بالخط 29 وتالياً بحقل «كاريش» فلم يعد هناك مبرّر للاستعجال في حسم المفاوضات.
لكن لبنان كان طلب من هوكشتاين إبلاغ إسرائيل وقف أي أعمال في المنطقة المتنازع عليها إلى حين التوصل إلى اتفاق، وسبق لأمين عام حزب الله حسن نصرالله أن هدّد باستهداف السفينة اليونانية في حال باشرت باستخراج الغاز ولم يتم سحبها وإن كان بعضهم قرأ في تهديدات نصرالله مجرد تهويل لأنه يدرك كلفة أي حرب لاسيما بعدما حدّد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي لائحة الأهداف. ومن المعلوم أن أي قرار بالمواجهة على الحدود لن يكون قراراً بين حزب الله وإسرائيل حصراً بل هو قرار بمعيّة إيران التي تستخدم قضية الترسيم كورقة ضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل بالنسبة إلى الملف النووي.