كتب محمد وهبة في “الاخبار”:
كان يفترض أن يُدرج اسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على جدول أعمال مجلس الوزراء، أمس، في إطار عملية استبداله التي روّج لها أخيراً، إلا أن المجلس قرّر أمس استدعاءه لحضور الجلسة المقبلة بوصفه الجهة التي يمكنها تقديم تفسير لما يحصل في السوق، وللاستماع إلى المعالجات الممكنة! ورغم الانتقادات الواسعة التي كيلت له في الجلسة، وستكال إليه في الجلسة المقبلة، فإن حضوره يسبغ عليه «شرعية» تناقض التراكمات التي أفضى إليها المسار القضائي لجهة الملاحقات القضائية التي تشكّك بسلوكه وتشتبه بعمليات اختلاس قام به مع شقيقه رجا، علماً بأن هذا الملف هو موضع ملاحقات في دول أوروبية أيضاً.
كيف تمكن سلامة من فرض نفسه على جدول أعمال مجلس الوزراء؟ عملياً، اتخذ الحاكم من المقيمين في لبنان رهائن. فقد أجرى تعديلات على آليات ضخّ الدولارات في السوق عبر منصّة «صيرفة»، ما أثار هلعاً غير مبرّر في السوق تمظهر بشكل أساسي في عودة الطوابير أمام محطات الوقود، وصعوبات في شراء المازوت، ولم يطل الأمر كثيراً قبل أن تتنبّه قوى السلطة إلى أنها تمارس لعبة خطرة على أبواب استحقاق انتخابي يصعب الانخراط فيه في ظل سوق مفتوحة على تقلّبات حادّة في سعر الصرف، وتقنين قاس في الكهرباء يمكن أن يشمل المواد الأساسية مثل البنزين.
فُتحت هذه الجبهات معاً بشكل مفاجئ، ومن دون أي تبرير أو إشارة مسبقة. إذ انتقل المستهلك من حال شبه الاستقرار في سعر الصرف، إلى تقلبات بهامش 10% مضافة إليها توقعات سلبية باحتمال اتساع الهامش وازدياد حدّة التقلبات. وقرّر مصرف لبنان خفض «كوتا» الدولارات التي يضخّها للمصارف بموجب آلية التعميم 161، من «سقف مفتوح» إلى «تقسيط على أسبوع»، ما دفع سعر الصرف إلى الارتفاع وازدياد حالة عدم اليقين التي تشوب السوق في ظل «الحرب» المندلعة على جبهتي القضاء والسياسة. وفي سوق المحروقات أيضاً، خلق سلامة حالة هلع غير مبرّرة ومفاجئة، إذ إنه رغم ارتفاع الأسعار العالمية وصعوبات الاستيراد، كان التمويل لشحنات المازوت والبنزين متوافراً باستمرار من خلال مصرف لبنان على منصّة «صيرفة». وكانت الشركات تجمع الليرات من الزبائن وتحوّلها إلى دولارات على منصّة «صيرفة» لاستيراد البنزين، لكن مصرف لبنان قرّر منع استعمال الشركات لهذه المنصّة على أن يمنحها الدولارات نقداً لتشحنها إلى الخارج لتسديد ثمن الشحنات. عملياً، يخلق مصرف لبنان صعوبات ضخمة نظراً لصعوبة الشحن وارتفاع كلفته، وصعوبة قبول الشحنات في الخارج نقداً. التزامن بين تدهور سعر الصرف وتدهور سوق المحروقات لم يكن صدفة، بل يأتي في سياق تطورات في ملف سلامة القضائي وتوقيف شقيقه رجا على خلفية ملف شركة «فوري» والاختلاسات وعمليات تبييض الأموال المشتبه بقيامهما فيها. وتراكمت نتائج هذا المسار القضائي لتحول دون قدرة سلامة وفريقه من المطبلين داخل السلطة وخارجها، على تحويل الملف إلى اتهامات سياسية وتفريغها من مضمونها الفعلي المتعلق بالاختلاس وتبييض الأموال. وتزامنت هذه التطورات مع عمليات بحث عن بديل لرياض سلامة يوافق على تعيينه حاكماً لمصرف لبنان. وبحسب المعطيات، فإن اتصالات جرت مع عدد من المرشحين لم تسفر عن نتيجة حاسمة. وهذا الأمر كان أساسياً بالنسبة لسلامة الساعي إلى الخروج الآمن. فهو ليس قلقاً فقط من الادعاء القضائي المحلي، بل الخارجي أيضاً، لذلك لم يعد يظهر كثيراً خارج مصرف لبنان، ويتردّد بأنه مقيم في الشقة التي كان يقيم فيها إدمون نعيم أيام الحرب الأهلية في الطابق الأخير من مصرف لبنان.
على هذه الخلفية ناقش مجلس الوزراء أمس ملف الكهرباء وطلب وزير الطاقة الحصول على تمويل بقيمة 77 مليون دولار لتأمين صيانة المعامل وعمليات التشغيل، وانتهى الأمر بانتقادات عالية النبرة تجاه سلوك سلامة، ولا سيما من وزراء حركة أمل، وهو أمر كان مفاجئاً لمن يعلمون بأن رئيس مجلس النواب نبيه برّي هو من منع إقالة سلامة أيام حكومة الرئيس حسان دياب. وبعد الجلسة سجّل وزير الثقافة محمد مرتضى موقف أمل وحزب الله عبر تغريدة أشار فيها إلى أن سلامة «يهرب إلى الأمام ويخلق الأزمات من خلال ممارسة التضييق على استيراد المحروقات عبر استبدال آلية التحويل بأخرى مربكة، ويضع أسقفاً لسحب الرواتب، كل ذلك لفرض أوراق مساومة». وانتهت الجلسة بدعوة سلامة إلى طاولة مجلس الوزراء، فهل ستكون الدعوة لمناقشة شبهة التلاعب في سعر الصرف وبسوق المحروقات، أم أنها ستكون «جلسة تعاون» كما اقترح رئيس الحكومة؟
رحلة البحث عن بديل
في الأسابيع الماضية انطلقت رحلة البحث عن بديل من رياض سلامة لتعيينه حاكماً لمصرف لبنان. وفق المعلومات، نالت عملية الاستبدال غطاءً أميركياً وفرنسياً. فقد سمع زوار السفيرة الأميركية دوروثي شيا، أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاستمرار في العلاقة مع رياض سلامة كما في السابق، وأنهم لا يمانعون إجراء تعديلات في حاكمية مصرف لبنان. وفي السياق نفسه، تولّى المصرفي سمير عسّاف، كمفوّض من الجانب الفرنسي، وتحديداً من الرئيس إيمانويل ماكرون، البحث عن شخصية توافق على الحلول محلّ سلامة، علماً بأن الاختيار الفرنسي كان قد وقع أولاً على عساف نفسه، إلا أن هذا الأخير رفض الانخراط في مهمة «انتحارية» كهذه، لكنه لم يكن يمانع المساعدة في البحث عن بديل. جرى الاتصال بعدد من الشخصيات، واختيرت بعض الأسماء كمرشحين مثل الوزير السابق جهاد أزعور الذي يشغل حالياً مركز مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وجرى الاتصال بالوزير السابق كميل أبو سليمان لكن اسمه لم يحظ بموافقة الرئيس ميشال عون، وتم الاتصال بعدد من المحامين المعروفين في عالم المال من دون التوصل إلى البديل بعد.