افتتحت نقابة المحامين موجة دعاوى ستتقدّم بها نقابات المهن الحرّة، في الأيام المقبلة، ضدّ المصارف ومجالس إداراتها مطالبة باسترداد ودائعها، استناداً إلى مواد قانونية تجيز للقضاء اعتبار المصرف المتخلّف مفلساً وتتيح إلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله وتعيين إدارة مؤقتة له. هذه الدعاوى تتيح للمودعين أيضاً أن يحذوا حذو النقابات وفق الأحكام نفسها
على خطى نقابة المحامين، تستعدّ 18 من نقابات المهن الحرة لإقامة دعاوى قانونيّة جماعيّة ضد المصارف ممثلةً برؤساء مجالس إداراتها. ومن المقرّر أنّ تختار كل نقابة مصرفاً واحداً لإقامة دعوى ضدّه بعد إرسال إنذار يُلزمه بدفع جزء من مستحقاتها، وفي حال تخلّفه عن السداد، تتقدّم النقابة بدعوى في المحكمة المدنيّة الابتدائية الناظرة في القضايا الإفلاسيّة.
وتستند الدعاوى إلى المادة الرابعة من القانون الرقم 2/67 وتعديلاته وإلى المادة 489 من قانون التجارة البرية. المادة الأولى، تشترط لإعلان إفلاس شخص ما «أن يكون تاجراً، وأن يكون في حالة توقف عن الدفع» وهو ما يجيز للدائن «التقدّم بطلب إعلان المصرف المعني متوقفاً عن الدفع». أما المادة الثانية، فتشير إلى أنه «يعتبر في حالة الإفلاس كل تاجر ينقطع عن دفع ديونه التجاريّة، وكل تاجر لا يدعم الثقة المالية به إلا بوسائل يظهر بجلاء أنّها غير مشروعة».
بهذه الصيغة الموحّدة سترفع نقابات المهن الحرّة دعاوى جماعية ضدّ المصارف. ولهذه الغاية، عقد أمس نقباء اتحاد نقابات المهن الحرّة اجتماعاً تنسيقياً في مركز نقابة المحامين، بدعوة من نقيب المحامين ناضر كسبار ونقيب المهندسين عارف ياسين، واتفقوا على تفاصيل تقديم الدعاوى. وفيما كانت نقابة المحامين في بيروت سبّاقة في تقديم الدعاوى، من المرتقب أن تتقدّم نقابة المحامين في الشمال بدعوى مماثلة خلال أيام، على أن تتبعها نقابة المهندسين ثم نقابة الممرضين والممرضات التي أرسلت إنذاراً للمصرف المعني استباقاً للدعوى. وسيفتح ذلك الباب أمام باقي المودعين للتقدّم بدعاوى وفقاً للنموذج القانوني نفسه، فيما تتمثّل العقبة الأساسية في الاعتكاف القضائي، إذ إن الدعاوى ستسجل في قلم المحكمة، لكن لن تتخذ أي إجراءات قبل فكّ القضاة إضرابهم عن العمل، وهذا ما أثّر على عدم إمكانية تبليغ المصارف بالإنذارات أو الدعاوى كما حصل مع نقابة المحامين.
بحسب نقيب المحامين، «كان يفترض تقديمها منذ أشهر»، لافتاً إلى «أننا بدأنا من الصفر منذ 10 أشهر، فشكّلنا لجنة متخصصة من 12 محامياً إلى جانب المرصد (المكوّن من خبراء ماليين واقتصاديين)، عكفت على درس كل الخيارات المتاحة أمامنا من القضاء الجزائي إلى العدلي إلى الإداري. وبعد دراسات واستشارات، ارتأت أن الطريقة الأسلم هي الذهاب نحو المحكمة المدنيّة الابتدائية الناظرة في القضايا الإفلاسيّة». ويؤكد لـ«الأخبار» أن النقابة حسبت خطواتها جيّداً قبل التوجّه نحو القضاء، «وحتى لا يُقال إن هدفنا هو الإجهاز على القطاع المصرفي، عقدنا الكثير من الاجتماعات مع الرؤساء والمسؤولين وحتى مجالس إدارات المصارف ووكلاء الدفاع عنهم، وبعدما استنفدنا كلّ الطرق قررنا الانتقال إلى القضاء. كما تعرّضنا لكثير من الإغراءات لثنينا من مقاضاة المصارف مقابل تقديم تسهيلات للنقابة، لكن هدفنا أن تُقدّم المصارف حلاً شاملاً لكل نقابات المهن الحرّة والمودعين لاسترجاع حقوقهم، إذ إن الأمر لا يقتصر على نقابة المحامين، وخصوصاً أننا نقابة الحقّ والقانون». وعن أحكام القانون الرقم 2/67 الذي يُلزم المدّعي بتبليغ حاكم مصرف لبنان حتى يبدي ملاحظاته، يوضح كسبار أن «الحاكم يبدي ملاحظاته لا أكثر ولا أقل، ولكن القرار بيد القضاء».
كسبار تحدث عن أشهر قضتها اللجنة في التحضير للدعوى و«مدّة مماثلة لتقديم الإنذار الخطي إلى المصرف، إذ لم نتمكن من ذلك إلا بعد اتصالات شخصية تطلب من الموظف المعني الحضور إلى وظيفته لتسلم الإنذار، والأمر نفسه ينطبق أيضاً على تقديم الدعوى»، محذّراً من أن التسويف في هذا الملف خطير جداً، وخصوصاً أنه يملك معلومات تُشير إلى أنّ بعض أعضاء مجالس إدارة المصارف يقومون بتهريب الأملاك والعقارات التي يملكونها، «بدليل أنه كلما تقدّم محامون للحصول على إفادات عقاريّة تخص هؤلاء الأعضاء يكون الجواب بأنّه تجري على العقار معاملة، ما يمنع صدور الإفادة العقاريّة»، معرباً عن اعتقاده بأنّ هذه المعاملات هي عمليّات بيْع.
كسبار، الذي يرى أن اعتكاف القضاة «غير مُبرّر وسنتحرّك في حال لم يفكّ القضاة إضرابهم من الأمم المتحدة ونزول»، شدّد على أنه «لا يُمكن تبرئة اعتكاف القضاة، إذ إن بعضهم يعتكف من أجل عرقلة الدعاوى ضدّ المصارف وضدّ حاكم مصرف لبنان. وما يؤكد ذلك هو عدم تحرّك السلطة إزاء هذا الإضراب، لأنه من مصلحتها أصلاً».
وكانت نقابة المحامين قد تقدّمت بدعوى ضد مصرف «فرست ناشونال بنك» (ممثلاً برئيس مجلس الإدارة رامي النمر) الذي تملك فيه عدّة حسابات، ومن بينها حساب دائن بالدولار الأميركي بقيمة 5 ملايين دولار. وفي 18 تموز الماضي، طلبت النقابة من المصرف تسليمها جزءاً من وديعتها (مليون دولار أميركي) فتمنّع عن تسديد المبلغ رغم استحقاقه بسبب حالة التوقّف عن الدفع التي يتخبّط بها. فيما غضّت النقابة النظر عن تقديم دعوى بحق إدارة مصرف «الاتحاد المصرفي» الذي ما إن تلقّى الإنذار حتى قام بدفع المبلغ المطلوب.
وأشار المحامون في دعواهم إلى أن المصرف المدّعى عليه «في حالة توقف عن الدفع، وهو عاجز عن تسديد دين الجهة المدّعية وردّ الودائع خاصتها، رغم أن هذا الدين ثابت وأكيد ومستحق»، مذكّرة المحكمة «باجتهاداتها بهذا الخصوص. إذ طبّقت أحكام هذا القانون على عدّة مصارف ومنها بنك المشرق عام 1990، بنك الازدهار في عام 1991، بنك مبكو الشركة المصرفية للشرق الأوسط في عام 1991». وشدّد المحامون في متن الدعوى على أن «هذا القانون ليس عقوبة بحدّ ذاته، وخصوصاً أنّه ميّز بين المؤسّسة المصرفيّة وبين القيّمين عليها وأن الهدف منه هو من جهة حماية المؤسّسة المصرفية، ومن جهة ثانية حماية حقوق المودعين». وطالب المحامون بـ«إعلان مصرف فرست ناشونال بنك متوقّفاً عن الدفع وفقاً لأحكام المادة 4 من القانون 67/2 والمادة 489 تجارة بريّة ضمن المهلة القانونيّة واستطلاع رأي حاكم المصرف المركزي ليُصار إلى تعيين جلسة علنيّة يُصار من خلالها إلى إعلان المدّعى عليه متوقّفاً عن الدفع وتعيين مدير مؤقّت وترتيب كل المفاعيل القانونيّة المنصوص عليها في القانون الرقم 67/2 وتعديلاته وإلقاء الحجز الاحتياطي الحكمي على أموال المصرف المنقولة وغير المنقولة. كذلك استطلاع رأي النيابة العامة الاستئنافيّة في بيروت، وإلا الطلب منها اتخاذ القرارات اللازمة والرامية إلى منع سفر رئيس وأعضاء مجلس الإدارة ومفوّضي المراقبة والمديرين الممثلين للمصرف».
نقابتا الأطباء والمحاسبة ترفضان المقاضاة!
نقابتان من نقابات المهن الحرة رفضتا التوجّه إلى القضاء، إحداهما هي نقابة الأطباء في بيروت التي انقسم أعضاء مجلسها بين 6 رفضوا الدعوى و6 تحمسوا لها، من دون أن يُحرّك النقيب ساكناً، رغم أن صوته مرجح مكتفياً بعدم التصويت! أما الثانية فهي نقابة خبراء المحاسبة التي يرى البعض أن «عدداً من أعضائها سيُلاحقون أصلاً في حال ملاحقة المصرفيين لاشتراكهم في الجرائم نفسها».
المصدر: الاخبار