التطورات التي تدور بعد إعلان الهدنة بين حماس وإسرائيل شبيهة الى حدّ كبير بما حدث في لبنان بعد حرب تموز 2006 بين حزب الله وإسرائيل مع فوارق جوهرية.
بعد حرب تموز، أصبح لدى حزب الله حضوراً أقوى على الساحتين الداخلية والخارجية بضوء أخضر أميركي-اسرائيلي على الرغم من المعارضة المعلنة المقنعة، وهذا ما بدأ يحصل مع حماس حيث تعترض كل من الولايات المتحدة واسرائيل علناً على تقوية نفوذها بعدما فرضت نفسها بصواريخها، لذلك لن يلتقي وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن يقيادتها عند زيارته اسرائيل لان بلاده تعتبرها منظمة ارهابية.
لكن كيف بدأت الحرب في قطاع غزّة؟ عندما قرّرت حماس التي تسيطر على القطاع وبعد نحو أسبوعين من الاشتباكات بين المقدسيين والفلسطينيين في المسجد الأقسى والقدس وخلال محاولة اسرائيل تهجير عائلات من حي الشيخ الجراح، قرّرت التدحّل عبر اطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية دفاعا عن فلسطينيّ القدس.
أين الصواريخ؟
ولا يمكن نفي أن حماس نجحَت في استغلال هذا الوضع من اجل التصعيد وإظهار انها تدافع عن الفسلطينيين، ففعلت تل أبيب الامر نفسه ودمّرت غزة وأضرت بسمعتها التي هي “بالأرض” من الأساس غير أنها لا تكترث، فيما فشلت حماس في التحدي السياسي حيث طالبت بوقف اقتحام المسجد الاقسى والاعتداء على المقدسيين وتهجير فلسطيني الشيخ الجراح بمقابل وقف الهجمات الصاروخية.
وما إن تم التوصل الى هدنة وأوقفت اسرائيل قصفها غزة واطلاق حماس صواريخها مساء الخميس حتّى اقتحمت الشرطة الاسرائيلية مع مستوطنين يهود المسجد الاقسى واعتدت على المصلين لخمسة أيام (الجمعة حتى أمس) من دون أي ردّة فعل من حماس، فأين الصواريخ الآن؟ على أيّ أساس أوقفت حماس هجماتها فيما لا تزال إسرائيل تنكل بالفلسطينيين؟ هل تلقّت وعوداً تشبه التصاريح الأميركية والمصرية والأردنية عن جدية “الدفع باتجاه سلام شامل”، تزامناً مع الاعتراف بالحركة؟
هل تشترط الدول التي تنوي تمويل إعمار غزة، مثلما طالبها خامنئي، نزع سلاح حماس مقابل الاعمار؟
الى ذلك، فشل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاختبار لأنّ خصومه باتوا اقرب من أي وقت مضى الى تأليف حكومة جديدة من دونه، ما سيدخله السجن، فكيف ستكون ردة فعله؟ هل يضرب مُجدّداً؟
وأكّد نتنياهو أن “حماس تواجه معادلة جديدة: لن تتسامح إسرائيل بعد الآن مع الصواريخ لكنها سترد بقوة في حالة اعتدُيَ عليها”، في وقت أنه لا يزال لدى حماس والجهاد الإسلامي مخزون يصل إلى 10 آلاف صاروخ إضافي، وفقًا للبيانات العسكرية.
لبنان ليس غزّة
ويكمل نتنياهو حديثه بالقول ان أنه “تمت استعادة الهدوء وتعزيز قوة الردع [الإسرائيلي]”، غير أن لا أحد يستطيع التأكّد من مدى صحة هذا الكلام لأنّ حماس ليست حزب الله الذي أبقى رأسه منخفضاً لمدة 15 عاماً بعد 2006 ولم يطلق رصاصة واحدة اتجاه اسرائيل لاسباب عدة بينها عدم امكانية اقحام لبنان في حروب كل بضع سنوات.
وعلى عكس ذلك، لا تكترث حماس لقطاع غزة حتى لو دُمّر كله وسوّيت مراكزه السكنية الكثيفة بالأرض، والبرهان الحروب التي اندلعت في عامي 2008 و 2014.
والطرفان مستعدان لخوض مزيد من الحروب على أرض غزة، وفق ما تشير اليه تصرفات حماس واسرائيل في الأيام الماضية وكلام كل من وزير الدفاع بني غانتس ورئيس الاركان أفيف كوخافي بأن العملية “انتهت ولكن لم تنته” وأن المزيد لم يأت بعد.
وكما لم تتمكن إسرائيل من خوض عملية برية في لبنان عام 2006، حصل الأمر نفسه في غزّة بعدما هدّدت مراراً بتنفيذ هذه العملية، وبالتالي ظهرت بموقع الضعيف الذي يعتمد فقط على الضربات الجوية ولا يمكنه السيطرة على أراض جديدة، الأمر الذي أفاد إيران وأدواتها في المنطقة من حزب الله والحشد الشعبي العراقي وفي سوريا.
لن يكون بامكان حماس اعتماد نفس سياسة حزب الله وإبرام “اتفاق سلام” مع إسرائيل لعشرة سنوات أو أكثر، فلبنان بلد موجود على حدود فلسطين المحتلة وغزّة هي مدينة داخل فلسطين الذي استعمرها واحتلها الصهيانة لكنهم لم يتمكنوا من وصلها بـ”أراضي” اسرائيل.
تمكنت حماس من حشد دعم الرأي العام العالمي وعرب إسرائيل، فيما كانت بعض الحكومات العربية تواجهها.