قبل أن يتحرك الوضع اللبناني، كان الملك الأردني عبدالله الثاني يلتقي رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت سرّاً في عمّان في أوائل تموز ثم بعد ذلك، توجّه الى واشنطن كأول زعيم عربي يلتقي الرئيس جو بايدن في 20 تموز الماضي وبعدها بأيام قليلة التقى بايدن الرئيس العراقي مصطفى الكاظمي.
وشدد عبدالله خلال لقائه بايدن على ان لبنان سيصل الى الحد الأقسى من الانهيار الاقتصادي قريباً، في وقت أكدت التقارير ان ملك الأردن ناقش مع الرئيس الاميركي محادثاته مع بينيت وكيفية التخفيف من الانهيار اللبناني ربما عبر تأليف حكومة أولاً يمكنها التفاوض مع صندوق النقد الدولي (IMF) وبالتالي فتح ثغرة صغيرة لتسيير الأمور.
كانت مصر تقف الى جانب الاردن في هذا المسعى، خصوصا تدخّل سفيرها في لبنان من أجل تليين مطالب الاطراف السياسية، غير ان السعودية هي الطرف الذي كان بالمرصاد لكل هذه المساعي ويصر على إيجاد حل لمشكلة “حزب الله” وسلاحه وتحكّمه بقرار الدولة قبل الشروع بأي مساعدة عربية، لذلك لم نرى أي موقف سعودي جدي من الحكومة الجديدة سوى موقف مصري مُرحّب.
في غضون ذلك، كان الحصار الخارجي والداخلي على البلد يخنقه ويعطل كل الحياة فيه وبلغت الامور حدّها ما قبل الاقسى حياتيا خلال شهر آب في ظل طقس حار جدا، فيما كان الرئيس الايراني الجديد ابرهيم رئيسي يتسلم السلطة ويؤلّف حكومة اضافة الى اكمال الانسحاب الاميركي الفوضوي من أفغانستان.
وعندما تثبتت الحكومة الايرانية وعُين وزير الخارجية عبداللهيان، انطلق الاخير في جولة خارجية حيث كانت ثلاثة بلدان عربية وهي مصر، العراق والاردن تعقدان اجتماعات متتالية على مستوى الرؤساء للبحث في كيفية مساعدة بعضها على تخطي أزماتها الاقتصادية، حيث كان لبنان في أجندتها لكن من دون حضوره.
توازيا، تحدث الامين العام لحزب الله عن امكانية احضار المازوت من إيران في حال لم يتم تأمينه خارج السوق السوداء لأنه وصلته تقارير عن أنّ الدول العربية الثلاثة تستعد لمدّ لبنان بمواد أساسية المتوفرة عندها مثل الغاز والكهرباء تخت المظلة الأميركية-الاسرائيلية.
تسارعت التطورات وتم الاعلان في يوم واحد، أي 19 آب، عن مشروعين أميركي وإيراني للبلد: استجرار المازوت الايراني ومد لبنان بالكهرباء الاردنية والغاز المصري عبر سوريا التي ستكون ممر المشروعين، غير ان هذا لا يعني ان الاوضاع في لبنان ستتحسن بل هذه مجرد منافسة ميدانية على أرض البلد.
ولاحقاً، عقدت قمة بغداد نهاية آب تزامنت مع اجتماعات لوزراء الدول المعنية بينها لبنان لتُختتم بقمة بغداد منذ أسبوع الذي حضرها ماكرون شخصيا.
بعد كل هذه الجولات الديبلوماسية، تمّ تأليف الحكومة اللبنانية الجمعة 10 أيلول لمواكبة والتصديق على هذه الاتفاقات أما التحضيرات اللوجيستية والفنية فستتطلب بضعة أشهر حتى بداية العام المقبل. في نهاية الأسبوع نفسه، التقى بينيت نظيره المصري عبدالفتاح السيسي في شرم الشيخ من اجل أخذ الضوء الأخضر من تل أبيب لاتمام المشروع وتوصيل “الغاز المصري” الذي هو أصلاً اسرائيلي إلى لبنان.
من الأهمية في مكان ما التذكير أن إسرائيل شرعت في كانون الاول من العام 2020 في تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر في إطار صفقة هي الأهم التي وقعتها الدولة العبرية مع جيرانها منذ إقرار السلام في 1979. وذكر مصدران نفطيان من مصر أن البلاد بدأت تلقي الغاز الإسرائيلي بواقع 200 مليون قدم مكعبة يوميا.
وبموجب الاتفاق التاريخي، تشتري شركة خاصة في مصر هي “دولفينوس القابضة” 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار دولار من حقلي لوثيان وتمار الإسرائيليين على مدى 15 عاما.
وفي السياق، أكدت وزارة البترول المصرية أن هناك خطط مستقبلية لاستقبال الغاز الإسرائيلي لإسالته في مصانع إسالة الغاز الطبيعي المصرية لإعادة تصديره الى دول اخرى مثل لبنان.