كتب حسن عليق في الاخبار:
سقطت فكرة إجراء تغييرات إدارية وقضائية واسعة بعد تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. لكن الأخير يؤكد أن حالة رياض سلامة مختلفة عن الآخرين، نظراً للانهيار والدعاوى القضائية التي تلاحق حاكم مصرف لبنان في بيروت وعدد من العواصم الأوروبية. ويجزم ميقاتي، لمسؤولين رسميين وحزبيين، أن سلامة سيستقيل مطلع العام المقبل.
«رياض سلامة سيستقيل من منصبه مطلع العام المقبل». هذه العبارة يُكرّرها أكثر من مسؤول رسمي وحزبي، نقلاً عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. لكن الأخير، عندما يُسأل عنها من قبل إعلاميين، ينفيها. لا يريد ميقاتي تحمّل مسؤولية ما قدّمه لقوى شريكة في مجلس الوزراء الذي يرأسه. أما عندما بُحِث أمر سلامة «على طاولة دولة الرئيس»، فقد أكّد أن القضايا التي يُلاحَق بها حاكم مصرف لبنان في سويسرا وعدد من الدول الأوروبية، هي قضايا جدية لا يمكن إقفالها بسهولة. وعقب انطلاق التدقيق الجنائي في مصرف لبنان، «لن يكون أمام سلامة سوى الاستقالة للخروج بأقل الأضرار الممكنة»، بحسب ما يُنقل عن رئيس الحكومة. الأخير يُقدّم مسألة استقالة سلامة كأمر متفق عليه بينه وبين الحاكم. وعلى رغم أن سياسيين ومسؤولين كثراً لا يثقون بقدرة ميقاتي على ضمان وصول هذه المسألة إلى خواتيمها، إلا أنهم يشيرون إلى أن الاستقالة باتت الخيار المُحتّم لحاكم «المركزي»، نظراً للانهيار المصرفي من جهة، والملفات القضائية المفتوحة بالجملة في وجهه من جهة أخرى.
بعد تأليف الحكومة، سعى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى تغيير عدد من شاغلي بعض المناصب العليا. وطرح عون أسماء كل من سلامة ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، إضافة إلى آخرين بينهم المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. الأخير تمسّك به رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما لا يريد ميقاتي الظهور بمظهر المتخلّي عن عويدات أمام طائفته. وسرعان ما أكّد ميقاتي لمراجعيه أن مهمة حكومته محصورة بإدخال بعض التعديلات على قضايا تمسّ حياة الناس مباشرة، كالكهرباء مثلاً، وإجراء الانتخابات، لكنه لن يقترح أي تعيينات إدارية أو تغييرات في المناصب غير الشاغرة، تثير اشتباكات سياسية هو بغنى عنها، وبخاصة على أبواب الانتخابات النيابية. لكن إسقاط اقتراح التعيينات الإدارية لم يحُل دون تأكيد ميقاتي بأن حاكم مصرف لبنان لن يستمر في منصبه قريباً.
تأكيدات ميقاتي لا يجري التعامل معها بصورة قطعية. فسلامة لا يزال يحظى بغطاء أميركي متين، يُضاف إلى شبكة العلاقات الداخلية الواسعة التي تؤمّن له الحماية الكافية لبقائه في منصبه من دون محاسبة. ففي التحقيق الذي يُجرى مع سلامة – في قضية اختلاس أموال من المصرف المركزي، وتبييضها في لبنان وسويسرا ودول أوروبية – لا تزال المصارف اللبنانية تسنده وتتهرّب من كشف المعلومات عن حساباته، بذريعة السرية المصرفية. أما سويسرا، التي سبقت القضاء اللبناني إلى ملاحقة سلامة وشقيقه رجا، في القضية نفسها، فتستمر بالامتناع عن تلبية طلبات المساعدة التي أرسلها لها القضاء اللبناني، بحجة بطء الإجراءات القضائية لديها، وتحديداً وجوب إبلاغ المشتبه فيه وانتظار إدلائه برأيه بشأن أي طلب يرد من لبنان بشأنه.
في مقابل سويسرا، تبدو الصورة في دول أوروبية عدة قاتمة بالنسبة للحاكم. منتصف الشهر الماضي، عُقد في مدينة لاهاي الهولندية، اجتماع ضمّ ممثلي الادعاء العام في عدد من الدول، لتنسيق عملهم في مجال ملاحقة سلامة. وحمل الاجتماع الكثير من الإشارات إلى كون المدعين العامين في كل من فرنسا وهولندا وبلجيكا واللوكسمورغ وألمانيا وغيرها من الدول، جادون في جمع القدر الأكبر من الأدلة التي تسمح لهم بتحويل الحاكم من مشتبه فيه إلى مدعى عليه. وأكثرهم حماسة كان الوفد الفرنسي. وظهرت جدية بعض تلك الدول في ما قامت به اللوكسمبورغ، مثلاً، إذ منعت رياض سلامة من إقفال حسابات مصرفية عائدة له، حاول سحب أمواله منها بصورة نهائية. لكن السلطات هناك لم تسمح له بتنفيذ ما يريد، وعوضاً عنه، قررت تجميد أمواله.
هذا الأداء يُضاعف من الضغوط على حاكم مصرف لبنان. ويُنقل عن ميقاتي قوله إنّ ما يجري في أوروبا هو أشبه بمحكمة دولية خاصة بمحاكمة رياض سلامة. ولأجل ذلك، لن يكون أمامه سوى الاستقالة! لكن ذلك يبقى رهناً ببقاء الحكومة على حالها، وعدم سقوطها ربطاً بالأزمة الراهنة.