كتبت “الجمهورية”:
شهد الشارع امس بداية تحركات قطاعية احتجاجية، على وقع الانهيار غير المسبوق الذي تعانيه البلاد، مع تخطّي دولار السوق السوداء الـ 35 الفاً، في مقابل استمرار القيود المصرفية على السحب وارتفاع الفوارق بين دولار المصرف ودولارالمنصة ودولار السوق. أما آن الأوان لتعديل في السياسة المصرفية المتبعة؟
إرتفعت المحاذير أخيراً من انطلاق ثورة الجياع ومن انفجار اجتماعي مع تفاقم الأزمات المعيشية التي تتحرك على وقع الدولار. وبالامس، شهد الشارع تحركات للقطاع الاستشفائي والطبي وتوقفاً عن العمل وانتقاداً «للسياسة النقدية المتوحشة التي تمارسها الدولة»، محذّرين من انقطاع الدواء والعلاج عن المريض. وقد سبقه مطلع الاسبوع إضراب للقطاع الصيدلاني. كذلك نفّذ أصحاب الأفران والمخابز اعتصاماً أمس رافعين أزمة رغيف الخبز.
وسط هذه التحركات التي بدأت تتزايد، يؤكّد الخبراء انّ الانهيار الذي يتواصل في لبنان منذ أكثر من عامين لم يصل بعد الى القعر. واليوم، مع تسارع وتيرة ارتفاع الدولار مقابل الليرة، ستشتد سرعة الانهيار وسيبدأ المواطن بملاحظة ذلك، لأنّ التثبيت المصطنع لسعر الدولار مقابل الليرة، والذي اعتُمد خلال الاشهر الماضية، بدأ بالتفلّت، وهذا ما يفسّر هذه التقلّبات الحادة بسعر الصرف.
وتشير مصادر لـ«الجمهورية»، الى انّ مع كل ما يحصل، لا نزال في اول الطريق ولم نصل تماماً الى القعر، ومع احترامنا للخروقات التي تحققت بنتائج الانتخابات والوجوه الجديدة التي دخلت، الّا انّ الأزمة أكبر بكثير من قدراتنا وإمكاناتنا المتوفرة، ويقابلها وضع اقليمي غير مؤاتٍ، ليكون لبنان اولوية عند الدول.
أضافت: «للأسف في هذا الوقت لا تزال الطبقة السياسية تتلهّى بمن سيكون رئيساً لمجلس النواب ومَن نائبه ومَن سيترأس اللجان… بينما الدولار يطير ويحلّق، حيث انّ 60% على الاقل ممن يقبضون رواتبهم بالليرة اللبنانية باتوا ما دون خط الفقر ولا أحد يكترث».
إتجاه نحو الدولرة؟
بدوره، أكّد الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، اننا لم نصل الى القعر بعد، ووضعنا سيستمر بالانزلاق في ظلّ الانهيار المتواصل لسعر الليرة. والسؤال المطروح، الى أي مدى ستظلّ هذه العملة الوطنية مقبولة من التجار مع التقلّبات الحادة في سوق الصرف؟ مبدياً خشيته من ان يلجأ التجار الى فرض الدولار في التعامل، أي بدلاً من ان يأخذ الليرة من الزبون ويشتري فيها الدولار من الصراف، ان يطلب الدولار من الزبون مباشرة. وهذا تماماً ما حصل عام 1987 و1988 و1989. وقال: «ليس صحيحاً اننا مسيّرون تجاه الدولرة، انما عناصر السوق تفرض هذا الواقع، ومن حق التاجر ان يحفظ قوته الشرائية، خصوصاً انّ السوق يتقلّب بالدقائق».
ورأى حمود، انّ السياسة المالية المتبعة من قِبل مصرف لبنان تصبّ لصالحه قسراً وليس طوعاً. كذلك للمصارف مصلحة في الاستمرار بهذه السياسة. عازياً ذلك لأنّ الفجوة المالية التي يتمّ الحديث عنها والمقدّرة بـ70 مليار دولار، هي عبارة عن اموال المودعين لدى المصارف، والتي بدورها اودعتها لدى مصرف لبنان.
تابع: «صحيح انّ البنك المركزي لم يُعد هذه الودائع الى المصارف، ويقول انّه استعملها، الاّ انّ المصارف لا تزال حتى اليوم تجبي فوائد عالية عن هذه الفجوة أي الـ 70 مليار دولار، ولا تعطي في المقابل فوائد للمودعين وتصنّفها كأرباح وتستخدمها لتدفع بها رواتب موظفيها، ما يعني انّ هذه الفجوة هي «ضحك» على المودعين الذين رغماً عنهم أموالهم محتجزة مع صفر فائدة. والمؤلم انّه إذا توقف مصرف لبنان عن دفع هذه الفوائد للمصارف ستقفل كل فروعها وتتوقف عن الدفع للمودعين».
خطوات سريعة
ورداً على سؤال، أكّد حمود انّ اول ما يجب على مصرف لبنان إيقافه هو تسعيرة دولار المصارف بـ 8000 ليرة. فهذه تُعتبر سرقة موصوفة. متسائلاً، بأي حق يعطى المودعون دولارهم بـ 8000 ليرة فيما دولار السوق تخطّى الـ35 الفاً؟ الأجدى به تحديد حجم سحوبات للمودعين واعطائهم اموالهم بالدولار الحقيقي. كما لا يجوز ان يكون هناك فارق كبير بين دولار السوق ودولار صيرفة، فقد تخطّى الفارق الـ 30%، بحيث وصل الفارق بين دولار المنصة ودولار السوق الى نحو 12 الفاً. وسأل، بأي حق يأخذ الموظفون الدولار عن المنصة وأصحاب الودائع الدولارية التي جنوها بتعبهم لا يأخذون ودائعهم؟
وقال: «لا يمكن ان ينتظم اقتصاد وهناك 100 مليار دولار من الودائع محتجزة. فالمودع يتقبّل انّ وديعته محجوزة ويمكن ان ينتظر قبل الإفراج عنها، انما ما لا يستطيع تقبله هو سرقة أمواله دون وجه حق. وللأسف انّ ما يحصل اليوم هو سرقة وقيود على الودائع».
ورأى حمود انّ المطلوب اليوم ترك السوق كما هو وحصر استعمال منصة صيرفة بكل ما من شأنه ان يؤمّن الحاجيات الضرورية لكيان وهيكلة الدولة، وصمودها واستمراريتها، مثل تأمين محروقات للنقل العام ومحروقات للجيش والقوى الامنية وربما للافران، على ان يتمّ تأمين بقية الدولارات لبقية القطاعات من السوق الموازي. كذلك لا يجوز معاملة القطاعات الحيوية مثل الاستشفاء والطبابة والمدارس والجامعات كغيرها، من حيث تحديد سقف السحوبات لها، وكأنّ انهيار هذين القطاعين مقصود.
وعن تبرير المركزي بأنّ السياسة المتبعة تهدف الى الحدّ من التضخم قال: «التضخم ليست مشكلة المودع، الأهم بالنسبة اليه ان تتوقف سرقة امواله وضمانة حقوقه. فهو راضٍ عن القيود المصرفية شرط ان يحصل على أمواله بقيمتها الحقيقية وفق سعر السوق وليس باجتزائها من غير وجه حق.
واعتبر حمود انّ كل الاجراءات التي اتُخذت منذ بداية الأزمة كانت لتجنّب انفجار شعبي بحكومة مهترئة، وبنهاية عهد منتهٍ اصلاً. كما لا يريدون انفجاراً شعبياً قبل عام من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، مراهنين انّ الـ10 مليار دولار التي بحوزة المركزي ستكفي لتمرير هذه المرحلة.