تجارة جديدة بدأت تنشط هذه الايام، انها تجارة «صيرفة»، كثر يلجأون الى منصة صيرفة اليوم لتحويل العملة اللبنانية الى دولارات لاعادة بيعها بسعر السوق، ويكررون الكرة مرات ومرات، والربح يقدر بـ70 دولاراً يومياً للمواطنين اما التجار الكبار فيتخطى ربحهم الصافي الـ30 ألف دولار ان لم يكن اكثر، وفق ما يقول احدهم وقد تحولوا تجار دولار والجزء القليل من الاموال يخصص لتجارتهم التي تسعر وفق السوق الموازية.
فمن يردع هؤلاء؟ لا احد، فالسوق مفتوح واللاعبون من التجار كثر.
المصارف وضعت سقفاً للتحويل بـ15 مليون ليرة، على ان يُقدم طلب في اليوم الاول وفي الثاني يتقاضى الاموال، معظم المستفيدين من هذه التجارة يعمدون الى الاستدانة وفي اليوم الثاني يعيدون المال مع ربح يومي 70 دولاراً كحد ادنى.
محمد أحد الذين يستفيدون من هذه التجارة المستجدة، يؤكد انه عمد الى استدانة 15 مليوناً من احد الاشخاص، وأعاد المبلغ في اليوم الثاني للشخص الذي قام بتحويله ايضاً، لافتاً الى ان «التجار كلهم يشترون الدولار وفق صيرفة ويبيعوننا البضائع وفق السوق السوداء الذي يواصل تحليقه”.
يبرر التجار الجدد هذا الامر بانهم يحاولون الاستفادة من الازمة، معظمهم من موظفي القطاع العام، الذين يحاولون تحقيق ارباح لم تعطهم اياها الدولة.
تؤكد زينب انها لجأت الى هذه الحيلة لرفع قيمة راتبها وقد بات لا يتجاوز الـ90 دولاراً، رغم يقينها المسبق ان هذا الامر سينعكس سلباً على السوق الموازية، ولكنها تحول الاموال «لتعيش، في حين ان التجار يحولون الاموال ليكسبوا اكثر”.
أحد لا ينكر ان لعبة الدولار ارهقت الناس، فكل شيء موصول على دولار السوق الموازية، ما ادى الى تحليق الاسعار مجدداً، لا شيء يقف بوجهها، طالما لعبة الدولار «شغالة»، اللافت هذه المرة ان التجار يلعبون بالسوق على هواهم، من دون اي رادع، يتحكمون بمفاصل الاسعار تحت مسمى «لعبة الدولار»، رغم انهم يشترون الدولار وفق سعر منصة صيرفة، اي انهم لا يتأثرون بلعبة الدولار، ومع ذلك يمارسون لعبة خنق المواطن اكثر. لا احد بريء من تلك اللعبة، من تاجر الخضار الى تاجر الدجاج وصولاً الى تاجر الكهرباء، حتى المصارف ومن خلفها المواطن دخلوا اللعبة، الكل يشتري الدولار وفق صيرفة ويبيعه وفق السوق الموازية.
يقر احد تجار الدجاج في منطقة النبطية انه يشتري الدولار وفق صيرفة ليؤمن الدجاج لمصلحته، هو نفسه الذي يعمل على رفع سعر كيلو الدجاج بمجرد ارتفاع سعر الدولار، واكثر من ذلك يؤكد انه يشتري كميات قليلة من الدجاج وباقي الدولارات يتاجر بها في السوق لانها «أربح» على حد تعبيره، في حين الدجاج «بات خسارة بخسارة وفقاً للكلفة الانتاجية»، والانكى ان الاسعار ترتفع بشكل كبير كلما ارتفع الدولار. لا يخفي التاجر ان «هامش الربح بات مضاعفاً، مرة من الربح الصافي وفق صيرفة، ومرة من ربح الهامش بين صيرفة والسوق الموازية»، والاخطر في كلامه انه يؤكد «تحمل المواطن لتبعات هذه التجارة السوداء”.
لا يعدو الدجاج الا واحداً من قطاعات تجارية عدة تتبع نفس الطريقة، على قاعدة «ما حدا عم بيراقب»، قلة من الناس تعرف هذه اللعبة الذكية التي يتبعها التجار، فهم باتوا على قناعة تامة ان الغلاء مرتبط بالدولار وغاب عن بالهم انه مرتبط بصيرفة، اي بالمشبرح « يفترض ان تكون ثابتة لا متغيرة”.
حتى تجار الكهرباء او ما يسمون انفسهم «اصحاب الاشتراكات» يشترون دولاراتهم عبر منصة صيرفة، ما يعني ان احدا منهم لا يخسر وفق «اسطوانتهم» التي يكررونها امام الزبون المعتر، والانكى انهم يفرضون خوة على الناس، ويهددونهم بوضع ضريبة عن كل يوم تأخير، يضعون تسعيرة خيالية ويرفعون عداد الكيلواط ليتخطى الـ100 كيلو، حتى لو كان المشترك لم يتخط مصروفه الـ50 كيلو، فتلك باتت سياسة متبعة لدى كل اصحاب الاشتراكات، الذين يهددون الناس بالعتمة ورفع التعرفة بحجة «المازوت ارتفع»، رغم انهم يشترون دولاراتهم عبر صيرفة التي شرعت «سرقة التجار للناس اكثر»، بدلاً من لجم الاسعار.
كل شيء في النبطية باهظ الثمن، لم يعد هناك شيء رخيص، يؤكد احد التجار ان الارباح ارتفعت مرتين وثلاث، وانهم يشترون الدولار المخصص بتجارتهم عبر صيرفة، ومع ذلك لا يرحمون الناس، «الفرصة سانحة للربح ليش بدنا نفوتها» يؤكد احدهم، معلّلاً تصرفه بأنه « يتكبد خسائر بالجملة اجرة عمال واشتراك وغيرها وكلها تضاف الى قطعة الملابس”.
انه زمن الربح من دون رقيب، زمن الشطارة على حساب الفقير،عادة ما كان يقال «السلطة فاسدة»، غير ان الازمة الراهنة كشفت حجم فساد التجار ايضاً.
المصدر: نداء الوطن