كان المطلوب تتويج نهاية العهد بإنجاز يكتب عنه التاريخ ذات يوم ويذيّل “إنجازات” ما تبقّى من تاريخ شعب وجمهورية، ففعلها مهندسو العهد. أنجزوا خطة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية خارج الحدود اللبنانية وتعهدوا بأخذ ضمانات “على الطريقة اللبنانية”. صباح امس تسلم الرئيس اللبناني ميشال عون الرد الخطي بشأن تثبيت حدوده البحرية من الوسيط الأميركي آموس هوكستين بواسطة السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا.
إلى هنا، يمكن اعتبار ما سيرد في صفحات التاريخ إنجازا. حتى الآلية التي ستعتمد على التشاور مع الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، وكذلك قيادة الجيش التي تسلمت نسخة عن الرد لدراستها لا غبار عليها. لكن ماذا عن التفاصيل التي تمت حياكتها في الولايات المتحدة وتحديدا من قبل نائب رئيس مجلس الوزراء الياس بو صعب وعلى أي اساس بنى رئيس الجمهورية موقفه عندما أعلن بأن هناك “انفراجات في ملف ترسيم الحدود البحرية وأن لبنان سيحصل على ما يستحقه من ثروات وأن الملف أصبح في “خواتيمه السعيدة”؟ بدوره ميقاتي لم يكن أقل “سعادة” وتفاؤلا، إذ أكد خلال المناقشة العامة للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة المنعقدة في نيويورك على تمسك لبنان بسيادته وثروته وحقوقه في مياهه الإقليمية .
وحده الطرف الإسرائيلي الذي أعلن عبر إعلامه “أن الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل متفائلة بشأن فرص التوصل إلى تسوية نهائية لنزاع الحدود البحرية في المستقبل القريب” كشف المستور عندما سمّى الأمور على حقيقتها في قوله”التوصل إلى تسوية” وليس اتفاق. فماذا في تفاصيل التسوية وعلى أي أساس تغمر “السعادة” الرؤساء الثلاثة كما السفيرة الأميركية؟ ولماذا الإصرار من قبل الطرف اللبناني بعد تشاور عون مع ميقاتي وبري على “كيفية المتابعة وإعطاء رد لبناني في أسرع وقت ممكن؟”.
قد لا يكون مضمون رسالة هوكستين واضحا حتى اللحظة، علما أن مصادر الرئاسة اكتفت في الإعلان بأنه “يتضمن عرضاً للمفاوضات التي جرت مع اقتراحات” من دون أن يفصح عن ماهيتها. إلا أن مصادر وثيقة الصلة بالملف، كشفت عبر “المركزية” أن خط الطفافات الذي رسمته إسرائيل لا ينطلق من رأس الناقورة الذي يفترض أن يشكل بداية لترسيم الحدود البحرية كونه يشكل ضمانة أمنية له ويحظى بمنطقة سياحية آمنة.
بالتوازي، توضح المصادر أن خط الطفافات يخرق مساحة 6 أو7 كلم من داخل المياه اللبنانية مما يعني تكريس المنطقة كمتنازع عليها وتاليا، التنازل عن الخط 23 بعدما أعلن الرئيس عون في 12-10-2021 أنه خط التفاوض وليس الخط 29 الذي تنازل عنه لبنان من دون سبب ومن دون حتى مقابل. وترجح أن يكون تم الإتفاق على أن خط الطفافات لا يؤثر مستقبلاً على تحديد نقطة رأس الناقورة “وهذا ما اعتبرته الدولة اللبنانية “إنجازاً” في حين أن الإعتراف بخط الطفافات يجعل من نقطة رأس الناقورة قابلة للنقاش مستقبلا من قبل الجانب الإسرائيلي علما أن المادة 2 في الدستور لا تسمح بالتخلي عنه.
قد تكون إقتراحات هوكستين في حساب “مهندسي” الإتفاق في الخارج إنجازاً يتوج “نهاية عهد عون” كونه يتضمن بحسب ما كشفت صفحات تابعة لحزب الله حصول لبنان على الخط 23 وحقل قانا كاملين، ولبنان غير معني بالتعويض لإسرائيل عن جزء من قانا، والإعتراف بحق لبنان بالتنقيب والإستخراج ،والسماح لشركة “توتال” بمعاودة التنقيب والإستخراج وعدم ربط أي نقطة برية بالحدود البحرية وتحديدا نقطة B1 وأخيرا إعتراف بحق لبنان بالحصول على فيول للكهرباء من اي دولة بما فيها إيران.
لكن للتاريخ، تصر المصادر على توضيح التالي وبناء على ما ورد في مضمون الرد. وتقول: “هل الحصول على الخط 23 ناقص خط الطفافات والتخلي بالتالي عن جزء من المياه الإقليمية يعني إنجازاً؟ وهل يدرك اللبنانيون والرؤساء “الفرحون” جدا بهذا الإنجاز أن حقل قانا ليس بالكامل للبنان كون شركة “توتال” ستعوّض لإسرائيل من إنتاجه؟، وستكون إسرائيل شريكاً معرقلاً مع “توتال” كونه يقع وفق القانون الدولي تحت السيادة الإسرائيلية ووفقاً للإحداثيات الموجودة في الأمم المتحدة. وهذا أمر طبيعي تماما كما تفعل إسرائيل في حقل أفروديت مع قبرص. وبذلك، تضيف المصادر، نكون طبقنا المعادلة: لا استخراج من كاريش من دون الإستخراج من قانا.
أيضا في التقنيات التي من المؤكد انه لم يتم البحث فيها من قبل مهندسي الإتفاق والذي تم على اساسه وضع نص رد هوكستين: في حال اكتفت شركة توتال بحفر يئر واحد وفقا للعقد الموقع مع لبنان في البلوك 9 ولم تكمل الإستخراج، نكون أعطينا الإذن ببدء الإستخراج من حقل كاريش دون الإستخراج من حقل قانا والمسؤولية هنا تقع على الشركة المنقبة. فهل يكون ذلك إنجازاً في نهاية عهد الرئيس ميشال عون؟
أخيرا وليس آخرا، تسأل المصادر “هل إن ربط البحر بالبر وإبقاء النزاع حول نقطة رأس الناقورة والـ B1 المحددة إحداثياتها منذ العام 1949 وتكريس إحتلال إسرائيل لها إلى أجل غير مسمى إنجاز؟ وهل هكذا نحرر الأراضي المحتلة؟”.
أقصى ما تتمناه المصادر أن لا تكون هذه الشكوك صحيحة، لكن المؤكد أن الأطراف المحاورة لم تتطرق إلى هذه النقاط التقنية. المهم بالنسبة إليها إنجاز ترسيم الحدود البحرية الجنوبية قبل خروج الرئيس من القصر. فهل يكون الاتفاق، اتفاق نعمة ام لعنة؟
المصدر: المركزية