ايلي حنا
من حقبة الاستقلال الى اليوم، يمر لبنان بأوقات كثيرة من الفراغ ان كان على الصعيد الرئاسي أو الحكومي. ان اخر مظاهر هذا الفراغ يتجسد بالفراغ الرئاسي بعد مغادرة الرئيس السابق ميشال عون القصر الجمهوري مع عدم انتاج رئيس جديد، الأمر نفسه المنطبق على الفراغ الحكومي، حيث بعد الكثير من المحادثات والاتصالات التي دخلت على الملف الحكومي، لم يتم انتاج حكومة قادرة وفاعلة تلبي مطالب الناس وسط التدهور الذي يعيشونه.
ان استقلال هذه السنة فارغ، التركيبة ليست مكتملة، فرئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري حاضرين، أما رئيس الجمهورية فموقعه في فراغ، فلا وجود لرئيس يفرض هيبته ويشارك في مشاهدة العرض العسكري الذي يقام في عيد الاستقلال.
على الصعيد الرئاسي، ومثل كل مرة، لبنان بحاجة الى الاستشارة الخارجية قبل أن يبت بأي ملف داخلي، حيث وبعد زيارته الى قطر، قام رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بزيارة إلى باريس حيث عقدَ سلسلة لقاءات على مستوى رفيع شملت كل المعنيين بالملف اللبناني، وبحث في الاستحقاقات الداهمة رئاسياً وحكومياً واقتصادياً، حيث يأمل الفرنسييون بأن يتم الاتفاق مع باسيل فيما يخص الانتخابات الرئاسية. هذه الزيارة تأتي بعد زيارة السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو عدد من القيادات السياسية اللبنانية.
في السياق، كشف باسيل في حديث لقناة “فرانس 24” أنه “عرض تصورا كاملا لحل يخرجنا من الجمود ولا يتعلق فقط بالاسماء فالموضوع ليس اسماء فقط بل تحصين اي اسم بتصور حول كيفية الوصول الى الاصلاح”. وقال: “عدم ترشحي هو لتسهيل الامور وهو تنازل عن حق اساسي اما اذا كان الامر سيصور على غير هذا النحو فيكون منافيا للمنطق”. وشدد باسيل على أن “مدخل الحل توفير توافق لبناني- لبناني على ان نوفر له الاجواء الخارجية التي لا تخربه او التي تطمئن كل طرف داخلي متخوف من امر ما، معتبرا أن “الجميع اليوم يعطل انتخاب الرئيس ولا احد يبدو مستعجلا بما فيه الكفاية وجميعنا مسؤولون عن هذه الحالة وعن الخروج منها ونحن نتحرك بنية صادقة في الداخل والخارج ونأمل ان نجد يدا ممدودة وتعاونا لأننا فعلا نسعى الى حل”.
وبالنسبة للمقاومة اللبنانية، يبدو أن الحلف الذي كان قائما في عهد عون بين “الحزب” و”التيار” بدأ بالتفتت، حيث وبحسب مصادر معنية بالموضوع، فالحزب من بين مرشحيه أي رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، قرر اختيار الأخير. فالامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وعند تعدادَه للمواصفات التي يريدها “الحزب” في رئيس الجمهورية، قال: “المقاومة كجزء كبير من الشعب اللبناني، تريد رئيساً للجمهورية في بعبدا مطمئناً للمقاومة ونريده شجاعاً يبدّي مصلحة لبنان على مصلحته الشخصية ولا يخاف ولا يُباع ولا يُشترى. نريد رئيساً يغطّي المقاومة أو يحميها”.
بالمقابل، أكد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، إنهم “كحزب لا يوافقون على رئيس يحوِل الأنظار إلى مشكلة مفتعلة تضر بسيادة لبنان واستقلاله وتحرير أرضه وحمايتها خدمة لأميركا وإسرائيل”، مردفا “كحزب نريد رئيسا يعمل لأمرين أساسيين، يعمل في السياسة لاستقلال لبنان والمحافظة على قوته وقدرته وحماية أراضيه ومياهه وثروته، وفي الاقتصاد يحمل مشروع خطة إنقاذ يعمل على إقرارها في الداخل بحسب القنوات الدستورية المعروفة ويعمل بكل جهد ليجمع اللبنانيين حول هذه الخطة الإنقاذية للمعالجة”.
أما بالنسبة للملف الحكومي، فالملف “مكانك راوح”، ولا تقدم يذكر على صعيد التشكيلة الحكومية، بعدما كان هناك فرصة بأيدي الحكام بأن يثمروا وزراء جدد قبل انتهاء ولاية الرئيس بدل أن نكون أمام حكومة تصريف أعمال، أما الان، فسوف نشهد السيناريو ذاته أي الاتيان برئيس جديد وبعدها المفاوضات على تشكيلة جديدة، هذا اذا مرت من أول جلسة مفاوضات مع الرئيس الجديد. في السياق، ان المادة 62 من الدستور تنص على: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”، حيث لم يميز الدستور بين حكومة مستقيلة وحكومة كاملة الصلاحيات، فاذا كانت الحكومة مستقيلة يجب أن تمارس صلاحيات الرئيس بدقة وليس بالمعنى الواسع.
اذا، من هنا الى أن نصبح في واقع اللافراغ، البلد سيكون في واقع من الاضطرابات والفوضى التي ستشهدها الساحة، هذا عدا عن الواقع المعيشي المأزوم الذي يخنق المواطن في حياته اليومية، كما سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة أي لا انتخاب رئيس جديد ومعها لا تشكيلة حكومية جديدة قبل أن يأتي الجواب من القوى الخارجية (أميركا – فرنسا – السعودية-إيران) ومن القوى الداخلية أيضا (التيار الوطني الحر وحزب الله)، الى حين أن يأتي الاستقلال الفعلي استقلال السلطة السياسية عن الخارج واستقلال الشعب عن السلطة الحاكمة.
ويبقى السؤال الأهم: هل سنكون أمام فراغ رئاسي سيطول لمدة سنتين واكثر كما حدث بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان؟