لم تنجُ الحيوانات الأليفة، التي تربّت في البيوت، من تداعيات الأزمة الاقتصادية. لا أرقام دقيقة عن عدد الحيوانات البيتية المسرّحة في الشوارع، لكن تشير التقديرات إلى أن أربعة إلى خمسة حيوانات أليفة، من قطط وكلاب، يتخلى عنها أصحابها يومياً بسبب ارتفاع أكلاف الرعاية الغذائية والبيطرية، إما يحملونها إلى الأحراج ويتركونها هناك، أو يفتحون لها باب البيت لتخرج.
المشكلة أن هذه الحيوانات تربّت في البيوت، ولا تجيد العيش خارج بيئتها المعتادة لئلا تصبح عرضة لأنواع مختلفة من المعاناة، من الصدم والدهس وهجوم الحيوانات المفترسة وسوء التغذية. ولأنها أليفة وخائفة، فهي غالباً ما تتبع الإنسان الذي يرتاب منها ويخشى أن تكون عدائية فيبادر إما إلى تعنيفها، أو قتلها.
تتحدّث لينا فرحات، ناشطة في مجال إنقاذ الحيوانات عن أكلاف كبيرة ترتّبها تربية حيوان أليف في ظلّ تأزّم الأحوال الاقتصادية. «في السابق كانت كلفة كيس طعام للكلاب، زنة 20 كيلو، تصل إلى 30 ألف ليرة، أما اليوم فصار أرخص كيس بـ500 ألف. هذا دون الحديث عن اللقاحات السنوية والموسمية التي تُراوح أسعارها بين 400 و600 ألف ليرة، فضلاً عن دواء الدود والبراغيث الذي يصل سعره إلى نحو 150 ألف ليرة، ويختلف السعر حسب نوع البضاعة ومكان استيرادها. التكلفة نفسها تقريباً للقطط».
لا يقتصر ارتفاع الكلفة على الطعام الجاهز، فحتى بقايا الدجاج التي كانت تجمعها وفاء، إحدى الناشطات في حماية الحيوانات في الجنوب، من المسالخ مجاناً لتسلقها وتطعمها للكلاب «صار الفقراء يشترونها من اللحام ويصنعون منها مرق الطعام، فتوقف عن إمدادي بها».
الحيوان ليس للتشاوف
ترفض غنى نحفاوي الناشطة في إنقاذ الحيوانات رمي الحيوانات في الشارع تحت أيّ ذريعة لأن هذا يعرّضها للإعدام البطيء، «من يقتنِ حيواناً عليه أن يبقي هذه الروح معه في السرّاء والضرّاء، فهل يتخلى الإنسان عن ابنه في أوقات الضيق!» بالنسبة إلى غنى «ليس من الضروري شراء طعام جاهز، إنما يمكن إطعام الحيوانات من المنزل شرط أن يكون الطعام من دون بهارات أو سكر أو بصل، ويمكن في حال الشك أن الطعام قد يؤذي الحيوان، التأكد من الأمر عبر غوغل».
وترى غنى أن أكثر فئة تستغني عن الحيوانات هي التي اقتنتها بهدف التشاوف أو «البرستيج»، أو لأن «ابنها طلب كلباً أو قطة هدية في عيد ميلاده ثم اكتشف أن الحيوان بحاجة إلى رعاية واهتمام».
لا تنكر غنى أن ثمة أكلافاً أخرى باهظة غير الطعام واللقاحات الدورية يلمسها الناشطون مثل تعرّض حيوان للمرض أو الكسر ولا سيما مع تراجع التبرّعات. «كنا قبل الأزمة نطلب مساعدة لمعالجة حيوان متضرّر فيتبرع 100 شخص، الآن تصلنا أوراق الـ50 ألف ليرة و100 ألف التي لا تكفي لمعالجة حيوان من كسر لأن كلفة هذ العملية قد تتجاوز الـ100 دولار».
كما تشير غنى إلى قلّة عدد الأشخاص الراغبين بالاقتناء «مقابل كلّ خمسة كلاب مسرّحة، بالكاد نجد آوياً واحد!». لكن ماذا عن الجمعيات المعنية بالحيوانات؟ تلفت غنى إلى تبدّل دور الجمعيات من التوعية والإيواء والسعي من أجل إصدار مراسيم لقانون الرفق بالحيوان الذي صدر عام 2017، إلى إنقاذ الحيوانات المدهوسة على الطرقات، لافتة إلى أن «الجمعيات غير قادرة على إيواء الحيوانات السليمة، هي بالكاد تغطي كلفة معالجة الحيوانات المتضرّرة نظراً إلى تراجع التبرّعات وتضييق المصارف على الجمعيات ووضعها حداً للسحوبات».
تسمّم غذائي وكسور
حتى الحيوانات التي بقيت في البيوت تغيّرت ظروفها. يؤكد الطبيب البيطري نضال حسن، أن غالبية الحالات العيادية التي عاينها هي لحيوانات مصابة بالتسمّم الغذائي نتيجة تبدّل نوع الطعام واستبداله بأنواع رخيصة، بالإضافة إلى زيادة نسبة إصابات الكسور نتيجة التسريح. ويلفت حسن إلى ارتفاع أكلاف المعدّات التي يستخدمها كلّها، من البنج إلى الدواء إلى البلاك والبراغي، والأخيرة هي نفسها تُستخدم للإنسان، ولذلك فالأولوية للإنسان بالنسبة إلى المستوردين، بالتالي يضطر الأطباء البيطريون لشرائها من السوق السوداء بنحو أربعة أضعاف سعرها. مؤكداً أن الطبيب البيطري لم يعد يحقق أرباحاً كالسابق، «كل همّنا اليوم بات ألا نخسر ونقفل نهائياً».
الضبط القانوني
تبقى الإشارة ضرورية إلى من يتسبّب باستدامة المشكلة ويفاقمها وهم تجار هذه الحيوانات، إذ يعيش هذا القطاع من دون أي ملاحقة قانونية. فبحسب لينا فرحات «يجب أن تُسنّ قوانين صارمة ضد حفلات «تزويج» الكلاب التي تتمّ فوق السطوح وفي الكاراجات والمزارع الخاصة بهدف بيع الجراء، أو بالحدّ الأدنى أن تتم مراقبتها للكفّ عن المتاجرة بأرواح الحيوانات في ظروف غير لائقة ورحيمة». كما دعت إلى «إغلاق محالّ بيع الحيوانات التي تفتقد إلى أدنى معايير الإيواء السليمة، وضرورة زرع رقائق إلكترونية تعريفية بواسطة طبيب بيطري في الحيوانات المعدّة للبيع تحمل اسم صاحب الحيوان وسجلّاً باللقاحات التي تلقّاها، ما يتيح الوصول إلى صاحبه بعد التخلي عنه».
المصدر: الاخبار