ايلي حنا
في بلد أغرق شعبه بالأزمات المتفشية والنافرة منذ فترة طويلة، في بلد يغرق شعبه كل يوم بالفساد السياسي والاجتماعي، في بلد لا يعرف الا أن يقدم لشعبه الحقيقة الكاذبة الزائفة، في بلد يحول الظالم الى مظلوم والمظلوم الى ظالم، في بلد “عجيب غريب” تحدث الأعاجيب فيه كاستدعاء أخ ضحية من ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وليام نون. وجريمته مطالبته بكشف حقيقة انفجار المرفأ واستمرار التحقيقات ومحاسبة الفاعلين، فضلا عن كسره زجاج في قصر العدل وأدلائه بكلمة “يروح يبلط البحر”.
هذا الذي حدث صدقنا أم لم نصدق، وهدفه تسكيت الأصوات المتألمة التي تُطالب بالعدالة المخفية سنتين وأكثر والتي ستغيب أكثر بوجود سلطة حاكمة خائفة ومرعوبة من أن لا يأتي الحكم عليها، سلطة مستعدة أن توقف التحقيق وتطالب بقاض رديف وتستدعي أهالي الضحايا على التحقيق، فهمّها الوحيد أن لا يبصر الحكم بمفتعلي الانفجار النور وتكون هي المعنية بالموضوع.
اذا، نتكلم عن سلطة مستعدة أن “تدعس” على الشعب ومشاكلهم وأحساسيهم ووجعهم ولا تُحرّك ساكناً، وأن تظهر بوجه الشخص “المسكين” المطالب بالمحاكمة والعدالة، سلطة لم تقدم شيئا للمواطن سوى اليأس والاحباط، كما التمييز الطائفي المتغلغل في البلد.
فعادي وأكثر من عادي أن يدخل مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في “حزب الله” وفيق صفا داخل قصر العدل ويُهدّد بتوقيف التحقيق في انفجار المرفأ ولا يحاسَب كونه صاحب نفوذ وبما أن القاضي محسوب على الثنائي الشيعي، ولكن الغير عادي أن يطالب أخ ضحية أمام قصر العدل وحتى ليس بداخله باستمرار التحقيق ومعرفة المتهم وفي النهاية يتم توقيفه بما أن القاضي غير محسوب عليه، وبما أن لبنان البلد الاول بالواسطة والمحسوبيات. بلد المحسوبيات، لم يكتفي بتوقيف نون، بل أذله فانتظر ساعات ليتم التحقيق معه، وتضامن معه الشعب الذي قطع الطرقات في مناطق مختلفة علهم يشكلوا ضغط لخروج وليام، الأمر الذي حصل ولكن ليس بالسرعة المطلوبة.
في الخلاصة، ستظل اهانة المواطن قائمة طالما انه دائما يريد أن يحصل على حقوقه ويدافع عنها، في بلد يتفشى فيه التمايز الطائفي أولا والتمايز الاجتماعي ثانيا، بعدما سادت العقلية اللبنانية أن دائما المدعوم محمي والغير مدعوم “آكلها”.
وبعد حادثة نون، سنكون أمام سيناريوات عدة: اما الارضاء بتوقيف التحقيق والاصرار على قاض رديف (محسوب على الطبقة السياسية الحاكمة ويعمل لمصلحتهم) عن القاضي طارق البيطار ما يعني أن لا محاسبة، واما قيام الاهالي بالتحرك أكثر (للضغط على القضاء بالقيام بواجباته) وعدم تحملهم المماطلة بالتحقيق، ما يمكن أن يخلق أجواء من التوتر بينهم وبين معطلي التحقيق.
بين الاحتمالات أيضا استدعاء أخ أو أخت ضحية من ضحايا الانفجار لاسكات الأصوات أكثر، واما عودة القضاة الى الاعتكاف لاستخدامها كحجة لعدم الايفاء بالمسؤولين عن الانفجار، واما عودة القاضي طارق البيطار لترأسه القضية بعد ارجاء التحقيق للتعاطف مع الأهالي (مع ان هذا السيناريو من سابع المستحيلات)، واما تحريك وتفعيل الضغط الدولي لعله يقدر أن يكون الوسيلة التي توصل الى اكمال التحقيق.
إذا حصل سيناريو واحد منها سيكون وسط فوضى عارمة في البلد حيث يتم التشديد على كشف أسماء كبيرة جدا، والمطالبة بالحقوق المعنوية الأخرى التي تناستها الدولة، وان غداً لناظره قريب.