بعدما انطلقت المرحلة الأولى من المفاوضات الأميركية الإيرانية الغير المباشرة علناً بعد أن كانت في السرّ عبر سلطنة عمان، يعمل كلّ فريق على كسب ما يمكنه من نفوذ في ساحات المواجهة للضغط على الطرف الاخر للتنازل.
في وقت شددت ايران مراراً على وجوب رفع العقوبات الأميركية بالكامل عنها للعودة إلى الاتفاق النووي ورفض أميركا هذا الأمر، ما لبثت أن تناقضت المواقف الأميركية عبر القول إنّ التشدّد الإيراني حول العقوبات يُعرقل الأمور ثم عدّلت الموقف بأنّها جاهزة لرفع العقوبات.
هذا يظهر شدّ الحبال بسبب صراع أجنحة في الإدارة الأميركية مثلما يحصل تماماً في ايران مع اقتراب موعد الانتخابات هناك بعد شهرين التي ستكون كفّتها للمتشددين الذين يعارضون العودة إلى الاتفاق في مقابل المعتدلين الذين يمثلهم الرئيس حسن روحاني المنتهية ولايته ووزير خارجيته محمد جواد ظريف.
توازياً، تعمل الأجنحة المعارضة والمتشددة في الجمهورية الاسلامية وإسرائيل على عرقلة المفاوضات. بدأت الأولى تشغيل أجهزة الطرد المركزي بعد يوم من بدء المفاوضات في فيينا الأسبوع الماضي، حيث شهد اليوم نفسه (الثلثاء) استهداف إسرائيل سفينة عسكرية ايرانية عبر زرع لغم بحري عليها.
وفي نهاية الأسبوع الماضي (الأحد الماضي)، استهدف “الموساد” موقع نطنز النووي عبر انفجار بقنبلة تمّ تهريبها الى الداخل، تلاها استهداف سفينة اسرائيلية بعد يومين في بحر العرب. الموقع النووي الذي لم يكن تعافى بعد من هجوم في تموز الماضي، وخصوصا بعد ايام ايضاً من إعلان تصعيد إيران موقفها عبر تشغيل احهزة طرد مركزي مهمة فيه، تعطّل الآن وأفقد إيران ورقة مهمة في التفاوض، لذلك تصرّ على إعادة تشغيله سريعاً وبقوّة أكبر تصل الى تخصيب 60 بالمئة من اليورانيوم فيه وإدخال 1000 جهاز طرد مركزي جديد، مثلما أعلنت أمس، في ردّ فعل طبيعي على انفجار نطنز، ما دفع فرنسا للتأكيد أن الموقف الايراني خطير.
هذا الهجوم تزامن مع الزيارة الأولى لوزير الدفاع الاميركي لويد أوستن إلى الشرق الأوسط عبر البوابة الاسرائيلية، خصوصاً بعد التسريبات الأميركية الإعلامية التي على ما يبدو يديرها الاسرائيلي، عن الهجمات الاسرائيلية على ايران لإثارة الخوف عند الجماهير، مثل التسريب الخطير مساء السبت عن توقّع عمل إسرائيلي خطير في الساعات المقبلة، في خطوة لم تعهدها السياسة الاسرائيلية سابقاً، وعلى رأسها نتنياهو، بمباركة بايدن؟
الجواب نعم لأن خطاب وزارة الخارجية الأميركية بعد هجوم نطنز كان يُشجّع مثل هذه الافعال ويبررها من أجل تفادي امتلاك ايران القنبلة النووية.
وفي السياق، يؤدي الاتحاد الأوروبي الدور نفسه عبر التأكيد أنه لا يؤيد عرقلة المفاوضات النووية عبر الطرق العسكرية ولن يسمح بذلك لكن في الوقت نفسه تفرض عقوبات على مسؤولين عسكريين إيرانيين من الصف الاول، فيما يصف الالمان التطورات في ايران بغير الايجابية لا تساعد في المفاوضات.
اما في العراق، فامتدت الأذرع السعودية والإماراتية بشكل غير مسبوق لبداية استراجعه من الحمهورية الاسلامية عبر الوعد بضخ عشرات ملايين الدولارات في الاقتصاد، ما أدى لالغاء صفقة النفط لامداد لبنان بالكهرباء بسبب إمساك إيران بالورقة اللبنانية بشدّة لأنها أقوى أوراقها في المنطقة، وبالتالي تتدهور اوضاعه إلى الاسوأ يوميا ، خصوصاً بعد إفشال المساعي الأوروبية لانقاذه.
الى ذلك ينتظر لبنان انتخابات نيابية العام المقبل يمكن ان تشهد تمديدا لنوابه وتليها مباشرة انتخابات رئاسية مع انتهاء ولاية عون والفراغ الحتمي القادم.
لذلك، الاستنتاج هو أن اسرائيل، القوة العالمية وفق قول نتنياهو، هي من يُحرّك المفاوضات النووية ولا يمكن أن ننسى جولة الرئيس الاسرائيلي ورئيس الاركان أفيف كوخافي إلى ألمانيا وفرنسا وزيارة وزير الخارجية الاسرائيلي غابي أشكنازي إلى موسكو منذ أسابيع.
وفق مسار الأحداث، ستستمر تل أبيب بتصعيدها العسكري ضد ايران مع اقتراب الانتخابات ورفع العقوبات عنها لأن الأميركي مصمّم على التوصل الى اتفاق جديد.
وكلما زادت اسرائيل من تحديها لايران كلما خرقت الاخيرة الاتفاق النووي أكثر واقترابها من القنبلة النووية توازيا مع انعقاد المفاوضات، ما يضعها في موقف محرج فتخسر المعركة النووية ومعركة رفع العقوبات الاميركية، ما يريح الاسرائيلي.