تتدهور الأوضاع في إسرائيل إلى حدّ يبدو غريباً ومُعقّداً، ففي حين أنّ الدولة العبرية تُعتبر الأقوى عسكرياً في الشرق الأوسط على خلفية الدعم الأميركي وتُثبّت نفسها كأقوى مركز للتكنولوجيا فأصبحت بمثابة “سيليكون فالي” في المنطقة.
هذا العامل يدفع عدد من الدول العربية والخليجية والاسلامية وغيرها إلى التطبيع وبدء التعاون معها، خصوصاً في المجال التكنولوجي والاقتصادي مثلما فعلت الإمارات والبحرين وكوسوفو.
وعلى الرغم من أنها تُثبت نفسها أقوى دولة في المنطقة، غير أن تل أبيب تعاني في مجالات عدّة، سياسية-اقتصادية-اجتماعية، فضلاً عن طريقة تعاطيها وتعاملها مع الفلسطينيين لعقود، خصوصاً في القدس وقطاع غزة.
تمر إسرائيل بأصعب أوقاتها في ظل أزمة سياسية عميقة تهدّد هويتها ونظامها بالكامل ويضعها أمام مستقبل قاتم، بعدما تغنّت طويلاً بأنها دولة ديموقراطية، لتقر أنها دولة لليهود فقط، بمعنى آخر لا ديمقراطية ودولة إثنية، فضلاً عن الازمتين الاقتصادية والأخرى المتمثلة بفقدان القيادة السياسية لعامين حتّى الآن، وهي أطول فترة منذ إنشاء الدولة العبرية في ظل تمسّك بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة واعتماده سياسة صهيونية متطرفة جداً تجاه المسجد الأقصى والقدس وغور الاردن لأسباب عقائدية تبدو خيالية.
ولدعم هذا الواقع، سنلقي نظرة على عدد من تصاريح المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين للتعمُّق بالأزمة الوجودية وأخذ عينة عنها من وجهة نظرهم:
– رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت قال إن “مواصلة استهداف الفلسطينيين لا تترك لهم خيارا سوى الانتفاضة”، محذرا من أن “الوضع على شفير الانهيار”.
وفي مقال بصحيفة “معاريف” الإسرائيلية، حذر أولمرت من أن “مواصلة استهداف الفلسطينيين وإلحاق الضرر بهم بشكل متعمد ومبالغ فيه لا تترك لهم خيارا سوى الانتفاضة”.
وأشار إلى أن “الأحداث التي شهدتها مدينة القدس مؤخرا مؤشر على أن الوضع على شفير الانهيار، وقد يتطور في أي لحظة”.
وشهدت ساحة باب العامود في القدس الأسبوع الماضي احتفالات عقب إزالة الحواجز الحديدية التي أقامتها القوات الإسرائيلية منذ بداية شهر رمضان، غير ان الاشتباكات لا تزال مستمرة بين الشرطة الاسرائيلية والمقدسيين.
– من كتاب مذكرات الصحافي العبري يارون لندن الذي صدر نهاية 2014: “إنني أعد نفسي لمحادثة مع حفيدي لاقول له ان نسبة بقائنا في هذه الدولة لن يتعدى 50 بالمئة، ولمن يغضبهم قولي هذا فإنني أقول له إن نسبة 50 بالمئة تُعتبر جيدة لأن الحقيقة أصعب من ذلك”.
– يقول رئيس جهاز الشاباك السابق يوفال ديسكين في مقالة له: “لا أدري هل هي نهاية البداية ام بداية النهاية؟ نحن ليس فقط فاسدين بل معفنون”.
من جهته، يؤكد رئيس الشاباك السابق كارمي غيلون ان “استمرار السياسات المتطرفة ضد المسجد الاقصى ستقود الى حرب باجوج وماجوج (Armageddon war) ضد الشعب اليهودي وستقود الى خراب إسرائيل!”.
– يشدد المؤرخ الاسرائيلي بيني موريس: “خلال سنوات سينتصر العرب والمسلمون ويكون اليهود أقلية في هذه الارض إما مطاردة أو مقتولة وصاحب الحظّ هو من يستطيع الهرب الى أميركا أو أوروبا”.
– يؤكد رئيس الموساد السابق افراييم هليفي اننا على أبواب كارثة، إنه ظلام ما قبل الهاوية”.
من جهته، يبدي رئيس الموساد السابق مئير داغان عن شعوره بخطر ضياع الحلم الصهيوني.
– وفي تحذير هو الاخطر، أكد الباحث والمحلل السياسي أمنون أبراموفيتش أن “أخطر ملف تواجهه إسرائيل ليس ملفات فساد نتنياهو وإنما الأخطر منها هو ملف خراب إسرائيل الثالث”.
– بعد احتفال اسرائيل باستقلالها الـ73 عن بريطانيا، قال نتنياهو الذي يُعتبر من سلالة النبي داود: “سأجتهد لأن تبلغ إسرائيل عيد ميلادها المئة لكن هذا ليس بديهيا، فالتاريخ يعلمنا انه لم تعمر دولة للشعب اليهودي أكثر من ثمانين سنة وهي دولة الحشمونائيم”.
ما الذي يجري خلف كواليس السياسة الاسرائيلية؟ وهل هناك ما هو مخفي عن العالم، وخصوصا الشعب اليهودي الذي يعيش في اراضي اسرائيل؟ هل تقود السياسة الصهيونية اسرائيل ودول الشرق الاوسط نحو الخراب عن عمد من اجل أسباب عقائدية متطرفة لا يدركها إلّا الذين يحركون السياسات ومجريات الاحداث في الغرف السوداء بالتعاون مع أدوات داخل الدول العربية؟ وهل الدول الموالية والمعارضة لهذه السياسة تسير نحو نفس الهدف وتتفق عليه على رغم المعارضة العلنية الواهمة؟
هل تشمل التسوية الاقليمية التي يجري الاعداد لها تغيير النظام الاسرائيلي اضافة الى أنظمة المنطقة؟ قد تبدأ بتغيير نظام تعيين رئيس حكومة حيث العادة أن يُعيّنه الرئيس الاسرائيلي حسب نتيجة الانتخابات، فيما يتم التداول حالياً بانتخابه مباشرة من الشعب على خلفيّة أزمة الحكم؟