للننسى ونضع جانباً أن انهيارنا سببه الأحداث في المنطقة من اقتحام المسجد الأقسى خلال رمضان واندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الاسرائيلية والفلسطينيين خلال الأيام الماضية ومصادرة مفاتيح المسجد من الأوقاف الإسلامية وتصعيد عسكري على جبهة غزّة وصولاً إلى تطبيع دول عربية واسلامية علاقاتها مع اسرائيل والنزاع الأميركي-الايراني والتخلّص من “حزب الله” وغيرها الكثير من الأحداث وطبعاً بسبب السياسيين…..
لكن ماذا ينتظر “الشعب اللبناني العظيم” ليتحرك؟ لماذا لا يُحرّك ساكناً من أجل إنقاذ أبسط حقوقه؟ لماذا يستمر في الإصرار على عيش حياته السابقة ولا يريد الاعتراف بأن أمراً عميقاً يتغيّر؟ هل أسهل الحلول الهجرة؟ هل اقتنع أنّ الأوضاع التي يعيشها وسيعيشها خارج سيطرته ولا يمكن تغييرها أو تحسينها؟ أو اقتنع ان الثورة لم تُغيّر في الواقع الاقتصادي والمعيشي شيئاً وأقنعه الإعلام اللبناني المزيف أن الثورة كانت سبب الأزمة والانهيار عبر ترداد: “الأزمة التي بدأت بعد ثورة تشرين” في حين أنّ الإدارة السيئة للبلد من الطبقة السياسية لنحو ثلاثين عاماً والحصار ضد “حزب الله” هي من الأسباب الرئيسية للانهيار والثورة أطاحت بهذه الطبقة؟
الغريب في أمر اللبناني أن بعض من ما يَعتبر نفسه من الطبقة العليا والمتوسطة (الميسور مالياً) هو من كان في ساحات 17 تشرين ويُشكّلون النسبة الأكبر وباقي المشاركين من الطبقة الفقيرة.
الصفّ الأمامي في الشارع
على الرغم من أن الانهيار أصاب الجميع بمقتل وجردّهم من مدخولهم المالي، لكن ما سبب عدم فعل الطبقة الفقيرة أي شيئ حتّى الآن وهم يُشكّلون 55 بالمئة من الشعب وممكن اكثر؟ المحظوظ الذي وُلِدَ في عائلة وضعها المادي جيّد ويمكنه الصمود لفترة أطول من غيره والذي باستطاعته التكفّل بدفع المواد حتّى لو قفزَ سعرها أضعافاً، لن يُفكّر في النزول إلى الشارع والمطالبة بحقوقه إلّا إذا سبقه من يحتاج فعلاً للاحتجاج، وهي العائلات التي لا يمكنها العيش بأبسط مقوّمات الحياة ولا تجد على طاولتها ربطة خبز واحدة وعاجزة عن إطعام أولادها وتوقفت عن أكل اللحمة والدجاج والفواكه والخضار، وبالتالي أصبحوا يجوعون، فكيف بتربية الأولاد؟
أين هي هذه العائلات التي أصبحت أعدادها لا تعد وتُحصى؟
مفترض أن تكون في الصفّ الأمامي في الشارع عندما زاد سعر الصرف الى 5000 لأنّ لا عمل لديهم ولا مستقبل في البلد وهذا ينطبق أيضاً على الجميع، لكن لم يكن هناك أحد في الساحات وانتظرنا خلال الاشهر الماضية حصول أمراً ما في وقت نعيش الانهيار الشبه الكامل والذي سيتحوّل الى شامل قريباً جدّاً ولكن لا حياة لمن تنادي… وهذا حرفياً معنى أن الشعب “مخدّر” والدليل الأكبر إكمال اللبناني حياته العادية، فضلاً عن رؤيته يصطّف في طوابير لساعات من أجل المحروقات والدواء والطعام، وقبول الاذلال لسنوات عوضاً عن التصرّف والمكوث لساعات في الساحات.
ما معنى أن يكون وضع البنى التحتية كارثياً لهذه الدرجة؟
الطرقات “معتّمة” ولا إنارة، أكان الاوتوسترادات أو الطرقات الداخلية ويقولون أن العتمة الكاملة آتية غير أنها وصلت “من زمان” والدليل أن لا إنارة كلياً على معظم الطرقات ولا الطرقات سليمة وهي بمثابة “off road” حيث أفضل حلّ للسائق في لبنان هو شراء سيارة رباعية الدفع ولا قانون سير محترم حيث أن السائقون يقودون بتهوّر كالمجانين ويتحولون لخطر على حياة الغير والغالبية تخالف الاشارت، فيما ما يُسمّى “الدولة” لا تعترف بالدراجات النارية كآليات فتراها تخترق كل الشوارع كالذباب بأعداد هائلة ولا من يحاسبها.
ولا كهرباء للبيوت والمؤسسات حتّى مع تشغيل المولدات ولا ضمان صحي واستشفاء.
أما المظهر الذي يزداد سوءاً يومياً، فهو موضوع التزوّد بالمحروقات، حيث لا امكانية للتزود بهذه الحاجة بسهولة ويمكن ان تطول لأيام وزيادة الاسعار التي ستتواصل ستؤدي الى وقف استخدام السيارات والاستغناء عنها، ما يعني البقاء في البيوت أو الاتكال على الدراجات النارية أو الهوائية، في وقت ان تأمين الدواء بات أصعب من المحروقات حيث أن الصيدليات، التي من واجبها تأمين الدواء، تفقد أكثريته، وليموت المريض.
الى ذلك، أصبحت الأماكن العامة الذي يمكن للمواطن التنزّه فيها لإراحة البال من الهموم، قليلة جداً لأنّ الشوارع في بيروت وغيرها، اصبحت ممتلئة بالنفايات والروائح الكريهة، أكان من البحر حيث يصّب المجرور أو من الرصيف حيث النرجيلة تغزوه مع الدخان والموسيقى العالية وروائح المحروقات من السيارات على الطرقات، ومستوى الناس الذي تدنى كثيراً بسبب الانهيار.
في ظل السقوط الحر (Free Fall)، الاستنتاج الأكيد أن الشعب بغالبيته شريك في الفساد ولا يهمه ان يكون في جبهة واحدة ضد الأحزاب لأنه بمثابة الوجه الآخر لها، ما يعني أن الانتخابات لن تُغيّر سوى 1%.
فنراه لا يزال يسرح ويمرح وكأن لا انهيار ولا من يحزنون، لكن الأكيد أنه يقول: “سنتعوّد” فترى المطاعم والمقاهي والشواطىء والمجمعات السياحية والطرقات ممتلئة، لكن الظاهر والبديهي أن يغير اللبناني طريقة عيشه في ظل الأوضاع المتدهورة وينتظر صدمة الأيام والأشهر المقبلة ليتحرك… وإلّا على الدنيا السلام!
تغيّر لبنان الذي كُنّأ نعرفه وهويته اختلفت لكن المواطن “بيستاهل” الذي يحصل معه لأنه لا يفعل شيء لتغييره، لذلك فات الأوان ومرحلة رفع الدعم ستؤدي الى تهاوي الاوضاع بنحو مخيف جداً بدأنا نرى تداعياته منذ أشهر لكن وتيرته ستكون أقسى ومخيفة خلال الصيف، والحلّ سيأتي حتماً بتدخّل دولي!